خطر الإشاعات على المجتمعات العربية والعالم
شبكه صوت الجنوب
بقلم/ أ.د.ميثاق باعباد الشعيبي
كاتب جنوبي بارز ومفكر سياسي أكاديمي
الشائعات ظاهرة من الظواهر، الخطيرة التي تظهر في المجتمعات، وخطرها عظيم ولها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع والأمة، حيث تعوق الشائعة عملية فهم المجتمعات لطبيعة الظروف التى تمر بها كما أنها تجعل هذه المجتمعات عاجزة عن استيعاب الضرورات التاريخية التى تؤثر اتجاه حركتها ونموها على أرض الواقع، حيث تكونت الإشاعة تبعا لتوافر مجال العمل الملائم لها من قبل الكائن الإنساني، إلا ان الدعاية عكسية للاشاعة وعملية منظمة، هدفها التأثير في الرأي العام، ولم تظهر الدعاية إلا في أواخر القرن العشرين، بينما ظهرت الإشاعة منذ زمن قديم ..
فالشائعات ليست وليدة اللحظة، بل هي موجودة ومؤثرة في أغلب الحضارات والثقافات عبر التاريخ، لأنها أحاديث يومية يتناولها الناس، ولها أهداف وأغراض، ووسائل نقل، حسب المجتمع والبيئة التي تسود فيها، سوى في العصر الحديث والقديم على الأرض قدم الإنسان، وقد تعرض لها أنبياء الله ورسله، ولم تسلم منها دولة من الدول أو عصر من العصور، وعدوى الشائعات لم تقتصر على المنطقة العربية وحسب، لكنها امتدت لتشمل العديد من بلدان العالم، ورغم أن الدول العربية شأنها شأن الدول الغربية فى المعاناة من الأخبار الكاذبة المزيفة، إلا أن الشائعات أكثر رواجًا من الحقائق مقارنة بالدول الغربية ..
حيث تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة المخزية الفاضحة والمدمرة للمجتمعات، ودخلت في مجريات الحياة الاجتماعية والمالية والسياسية وهي موجودة لدى طبقات البشر ويختلف أثرها وهدفها والغرض منها ومن يروجها تبعا لنوعية الموضوع وللوزن الاجتماعي، حيث تختلف الإشاعة بحسب اختلاف الشخص المنقول عنه، فتارة تكون الشائعة مدحًا، وتارة تكون ذمًا، وتارة تكون خليطًا بين النوعين، وتارة تكون غريبة في سياق أحداثها، حتى تكون في عداد المستحيلات، لكن تلقف الناس وتناقلهم لها جعل المستحيل أمرا ممكن للوقوع ..
فالشائعات الكاذبة وقود الحرب بسلاح نشطاء الفوضى فى العالم لزعزعة استقرار الدول، حيث أصبحت بمثابة الوسيلة التى يتبناها قطاع كبير من نشطاء الفوضى، لتحقيق مآربهم السياسية، وعلى رأسها نشر الفوضى فى المجتمع عبر زعزعة الثقة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب الحرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، والتى أصبحت الوسيلة المثلى لهم لبث سمومهم فى المجتمعات، وهو الأمر الذى يترك تداعيات كبيرة سواء على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية بين الشركات او السوشيال ميديا الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الإعلام الجديد فى العصر الرقمى بما يثيره من تحديات وتساؤلات مثل انعكاسات هذا المشهد على الخلل القائم أصلا فى النظام العالمى الإعلامى التقليدى وعدم التوازن بين الشمال والجنوب والشرق والغرب فإن الكتب الجديدة حول إشكالية الأخبار الكاذبة تتفق على وجه العموم فى أن مواقع التواصل الاجتماعى تستخدم أحيانا بصورة تفضى لتصاعد الأكاذيب واستفحال الكذب والأخبار الملفقة فى عالمنا اليوم ..
ودائما ما تبدأ الاشاعة بخبر وعند تداولها يتكرر ويزداد مفهومها بمهارة وكفاءة، وعند السؤال عن مصدرها يكتفي بالرد سمعتها ولا يذكر المصدر، إلى أن الهدف من تكرار الشائعات المغرضة والأكاذيب حتى يفقد الجمهور القدرة على التمييز بين ما هو حقيقى وما هو ملفق أو مزيف، فتكثر في وقت الازمات والتي غالباً ما يكون مصدرها الجهات المناوئة والمستفيده منها لغايات تحقيق أهدافها في العمق الاستراتيجي، ونجدها مجهولة المصدر ولكن يتناول انتشارها الناس لغرض فيما بينهم ..
فان لم يقم الاعلام بدوره في الاعلام لمواجة الاشاعة فإنها ستجد مرعي خصبا وتحدث نتائج لها أثرها المعنوي والمادي السييء، لذلك ان وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية ويضاف اليها الانترنت حيث تكتسب ظاهرة الأخبار الكاذبة المزيد من التركيب والتعقيد مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الانترنت وبعضها لايتورع عن "نشر الأخبار الملفقة وترويج الأكاذيب وتسويق الشائعات، ومن الأسباب الأساسية في سرعة انتشار الاشاعة، كما ان ظاهرة استشراء الأخبار الكاذبة وخاصة عبر مواقع التواصل حيث اصبحت مواقع التواصل الاجتماعى وما يعرف بالسوشيال ميديا الاجتماعى تفضى لاحتقانات واستقطابات بين البشر بينما تذهب الحقيقة وقيمة كالصدق ضحية لتلك الظاهرة ..
وعلى الاعلام أن يكون له دور في محاربة الاشاعات والقضاء عليها واظهار حقيقتها والعامل الهام في تحقيق ذلك الوقت، وذلك بتوضيح ما حدث وأثره والنتائج وحقيقة الأمر حتي يمكن القضاء على أي نتائج سلبية قد تسب بلبلة الرأي العام، فمن المهام الأساسية ودور للاعلام في محاربة الاشاعة والكشف عن مصدرها في أقل وقت حتى يفي ببطلها وتحقيق الغرص منها ..
فعصر الأخبار المزيفة والمفبركة بعصر ما بعد الحقيقة الذى يرتبط بالخلل المعرفى، وحرب المعلومات الشاملة التى قوضت مهنة الصحافة والإعلام، وكل مايهمهم السبق الصحفي، ولو كان الخبر كاذبا ومغشوشا ولو أدى إلى التناحر وشق النسيج الاجتماعي لا يهمهم ذلك، حيث ترسخت ومن الصعب تغييرها وإقناع أصحابها بعكس ما يعتقدونه، بغض النظر عن المصداقية والشفافية، فإذا كان هذا الوصف يصدق على مَن يكذب على صديق أو زميل فى أمر من الأمور التافهة، فما بالنا بمن يخترع خبرًا كاذبًا يضر ويضلل ويدمر مجتمعًا كاملًا أو يصيبه بالذعر والهلع أو الإحباط واليأس المؤدى إلى فشل الأمم وانهيارها ..
فإن مروجى الإشاعات يخالفون تعاليم دينهم ويرتكبون جريمة نكراء فى حق مجتمعهم بأكمله لا فى حق فرد واحد منه، وسيسألون عن كل كلمة قالوها كذبًا وافتراء وروجوا لها بهتانًا وزورًا، وترويج الإشاعات يعد خيانة للدين والوطن، والمؤسف والمؤلم فى هذا السياق أن بعض مروجى الإشاعات المغرضة فى وطننا قد ينتمون إلى جماعات ترفع راية الإسلام وتتسمى باسمه لأهداف سياسية، وكم أخبار تبين كذبها وعدم ارتباطها بالواقع، وفى دول شتى تتعرض صحف ووسائل الإعلام لمحاولات اختراق لنشر أخبار كاذبة على التصميمات المعتادة لصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعى فيما تمثل الفيديوهات والتسجيلات الصوتية المفبركة التى تتميز بالتزييف المحكم واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى أحد أخطر مظاهر التضليل، وفى مواجهة "ممارسات التزييف المحكم" حيث يجتهد باحثون فى تطوير تقنيات وابتكار طرق جديدة وداعمة لمواقع التواصل الاجتماعى لتحديد المقاطع المفبركة قبل أن تنتشر على منصات مواقع مثل الانستغرام وتويتر والفيسبوك ..
وما بالنا لو كانت الإشاعة تتعلق بالأعراض وما يترتب على ذلك من جرائم قتل لأبرياء وتشريد لأسر انتقامًا وثأرًا لشرف لم يُمس، وموبق لم يُرتكب؟، ومن الإشاعات التى تجر وبالًا على المجتمع، ولولا الإشاعة لما حدث هذا الخلل بين المعروض والمطلوب، وهؤلاء الكاذبون المخادعون يفسدون فى الأرض بمناصبتهم الآمنين العداء وسعيهم للإضرار بالمجتمع ومؤسساته من خلال إطلاقهم الإشاعات والترويج لها، فكيف لهم أن يتستروا بالدين أو أن ينتظروا من نصوصه التأييد! ..
الإشاعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها وهو موضوع هام، فلا تكاد تشرق شمس يوم جديد إلا ونسمع بإشاعة في مكان ما، وقد نفزع ونصاب بالذعر حين نسمع عن رصد العشرات او ربما المئات من الإشاعات خلال فترة وجيزة، ولم يكن الفزع بسبب كثرة الإشاعات وتنوعها بقدر ما كان بسبب انتشارها فى مجتمع متدين تسوده الأخلاق والقيم والمبادئ، فالإسلام والمسيحية على السواء يحرمان الإشاعات ويؤثمان مروجيها، فهى نوع من الكذب المنكر شرعًا والمذموم عرفًا، بل هى أخطر أنواع الكذب على الإطلاق لما تهدف إليه من إثارة البلبلة وإحداث الفتن بين الناس فى مجتمع ما، وربما بين دولة وأخرى، وقد عد الإسلام الكذب كبيرة من الكبائر المسقطة لمروءة المرء حتى إنه يفقده صلاحية الشهادة عند القاضى، ولم يقف الإسلام عند تحريم الكذب، بل حذرنا من تلقف الأخبار وترديدها دون تحرى صدقها ..
فعدوى الشائعات لم تقتصر على المنطقة العربية، ولكنها امتدت لتشمل العديد من بلدان العالم الأخرى، من بينها القوى الدولية الرئيسية فى العالم سواء فى الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية، حيث سعى ما يمكننا تسميته بتيار النشطاء السياسيين إلى تأجيج الحراك، عبر بث أخبار مغلوطة ترتبط بقرارات حكومية مرتقبة، بعضها يرتبط بالإصلاحات الاقتصادية، والتى تعد بمثابة النهج الذى يتبناه قطاع كبير من قادة العالم، وهنا يمكننا القول بأن الشائعات التى يطلقها رواد السوشيال ميديا ليست مجرد ظاهرة عربية، وإنما امتدت إلى العديد من المناطق الأخرى حول العالم، وعلى رأسها الدول الكبرى، والتى جعلت حرية التعبير بمثابة مبدأ لها، لتصبح الحرية غير المسئولة التى يتبناها البعض سببا رئيسيا فى زعزعة استقرارها السياسى والاقتصادى، ولعل التأثير السلبى للشائعات دفع العديد من بلدان العالم، لتكريس مواقع متخصصة لإبراز الحقائق، من بينها أوروبا الغربية والولايات المتحدة، والتى تمتلك موقع يدعى "سنوبز"، يتناول الشائعات التى تضرب المجتمع الأمريكى، ويقوم بتفنيدها وإظهار الحقائق، فى انعكاس صريح لضرورة مجابهة مثل هذا النهج الذى يستهدف المجتمع بأسره ..
ينوه احد الكتاب الأيرلنديين فى كتابه صدر بعنوان: "رؤية من النفق" لكيفن بريثناخ نوع من التركيز على تمزقات الإنسان المعاصر بين الحقائق والأكاذيب التى تجعل الإنسان المعاصر يهرم ويشيخ قبل الآوان، ورغم منجزات تقنية وثورات معلوماتية واتصالية فى العصر الرقمى فالكائن الإنسانى كما يرى مؤلف كتاب "رؤية من النفق" عليه أن يمضى بعقله فى كثير من الدهاليز بحثا عن الحقائق ورؤية عدم جواز التعامل المعلومات الكاذبة كقطار يمضى بين أنفاق لا تعد ولا تحصى ..
فالأخبار ساهمت فى تأجيج الأكاذيب، والعالم الأول يدشن مواقع لدحض الكذب وليست مجرد ظاهرة عربية بل مواقع أمريكية لدحض الشائعات، حيث يمثل استخدام الشائعات لزعزعة استقرار الدول، عبر "السوشيال ميديا"، سبقا لدول منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت سببا رئيسيا فى اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربى"، والتى دفعت بلدان المنطقة إلى طريق الصراعات الدموية والفوضى، ما ترتب على ذلك من انهيار اقتصادى ومجتمعى، نتيجة غياب الأمن لسنوات، إلا أن قطاعا أخر من النشطاء فى دول العالم يبدو وأنه استلهم التجربة العربية، لتعميمها بعد ذلك فى بلدانهم، وهو ما بدا واضحا فى النموذج الفرنسى، حيث استغل نشطاء "السترات الصفراء" قرارات حكومية اتخذها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، لتحقيق الإصلاح الاقتصادى فى بلاده لإشعال الحراك، من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، بالنهج الذى تبناه نشطاء السترات الصفراء، وضع عاصمة النور فى مشهد ربما غير مسبوق فى التاريخ الحديث، حيث خرج المتظاهرون، بينما تسلل بينهم المخربون، لتتحول أرقى أحيائها التاريخية، إلى حالة من الدمار، بسبب هجوم قطاع كبير من الغوغاء، البنوك والسيارات والممتلكات الخاصة، لتضع نظام الرئيس ماكرون فى مهب الريح ..
الأخبار الكاذبه لمنصات الإعلامية تتبنى نهج السوشيال ميديا، إلا أنه بعيدا عن النشطاء، ودعوات التظاهر، يبدو أن الأحزاب السياسية المعارضة استلهمت النهج نفسه لمحاربة الأنظمة القائمة، فى محاولة لتجد لنفسها طريقا أخر، يمكن من خلاله محاربة الأنظمة القائمة، وزحزحتها من كراسى السلطة، ومن جانب إلى كونه محاولة لإيجاد غطاء شعبى، يمنحهم قدرا من الشعبية، عبر بث الأخبار المغلوطة، التى تهدف فى الأساس للنيل من السلطة الحاكمة فى دولهم، ليس فقط من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، ولكن أيضا عبر المنصات الإعلامية المعتبرة، والتى ساهمت فى تأجيج الأوضاع بصورة كبيرة ..
ففى الولايات المتحدة، وصل الأمر إلى استخدام المنصات الإعلامية المناهضة لرئيس الأمريكي ترامب، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعى إلى حد اتهامه بالخيانة تارة، وإثارة الانقسام داخل المجتمع وتأجيج العنف فى البلاد تارة أخرى، ففى أعقاب الهجوم على أحد المعابد اليهودية فى شهر ديسمبر الماضى، أطلق مروجو الشائعات سهام الانتقاد إلى الخطاب الذى يتبناه ترامب، معتبرين إياه المسئول الأول والرئيسى عن أحداث العنف التى تشهدها البلاد بين الحين والأخر، وهو ما ساهم فى خلق حالة من الصراع غير المسبوق بين البيت الأبيض من جانب، والإعلام من جانب أخر، سعى من خلاله ترامب لمحاربة ناشرى الشائعات والأخبار المغلوطة بنفس السلاح، من خلال مخاطبة المواطن الأمريكى مباشرة، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر".
لم يكتفى ترامب بالرد على الأخبار الكاذبة، وإنما أطلق رسالة صريحة لكافة المنصات الإعلامية، مفادها أن هناك حاجة ملحة لتحقيق ما أسماه بـ"الانضباط الإعلامى"، مؤكدا الحاجة إلى تأسيس وكالة حكومية من شأنها إظهار صورة "أمريكا العظمى" التى يدحضها الإعلام بين الحين والأخر بأخباره المغلوطة التى تستهدف الإدارة ..
ولاريب أن سيول الأكاذيب فى العصر الرقمى والفضاء الإلكتروني تشكل تحديات قاسية لكل الباحثين عن الحقيقة بل وكل من يتبنى قيم الحق والخير والجمال كما لا يمكن التغافل عن حقيقة أن الإعلام المزيف والكاذب والمحرض حليف داعم للإرهاب وكل أيديولوجيات الشر ..
وتشير دراسة أجراها معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2018، إلى أن نسبة مشاركة الأخبار الكاذبة تصل ببعض البلدان العربية إلى 70%، بينما تستغرق الأخبار الصحيحة ستة أضعاف المدة لتصل إلى 1600 شخص فقط مقارنة بانتشار الأخبار الكاذبة ..
حيث وأكد الباحثون فى مجال الإعلام والتكنولوجيا بعد ان أجرى دراسة امريكية فى عام 2018، خلصت إلى وجود أزمة حقيقية فى التمييز بين الوقائع الفعلية والآراء، كما ان هناك استطلاعًا للرأى أجراه معهد «بيو» للأبحاث الأمريكية أظهر حيث نحو 64 فى المئة من المشاركين فى نتائج الاستطلاع، يدركون أن الأخبار الكاذبة تساعد على نشر البلبلة وتمييع الحقائق ..
ومن الكتب التى تناولت هذه الإشكالية أيضا كتاب صدر فى الولايات المتحدة بعنوان:"تجار الحقيقة": بيزنس الأخبار والحرب من أجل الحقائق" لجيل ابرامسون الذى يرى أن تلك الإشكالية تفاقمت فى القرن الواحد والعشرين، ويوضح هذا الكتاب الجديد أن "الحقيقة تضيع فى خضم الأخبار الكاذبة وأنصاف الحقائق وعندما تظهر روايات متعددة ومتناقضة حول حقيقة واحدة فإن هناك من يختار الرواية التى تتفق مع أفكاره وتصوراته بصرف النظر عن مدى تطابقها مع الحقيقة الكاملة، وعبر رحلة بحثية فى حول العالم ..
يقول الكاتب والباحث الصحفى البريطانى وبيتر بومارنتسيف منحدر من أصل روسى فيما جاء كتابه الجديد بمثابة دراسة معمقة لإشكالية الأخبار الكاذبة التى اعتبر أنها تهدد قيما عزيزة وتشكل خطرا على الديمقراطية، فالأكاذيب سلاح المشككين وإشكالية عالمية فقد باتت موضع اهتمام باحثين فى دول شتى وحاضرة فى كتب جديدة تصدر فى الغرب من أحدثها كتاب بعنوان: "إنها ليست دعاية" لبيتر بومارنتسيف وقد حظى هذا الكتاب الذى يتناول "الأخبار الكاذبة وأنصاف الحقائق وما يسعى له المنخرطون فى تلك الممارسات من إثارة للفتن وهز الاستقرار المجتمعي" باهتمام واضح فى الصحافة الثقافية الغربية, ويضع بومارنتسيف الظاهرة ككل ضمن "سياقات حروب المعلومات فى العصر الرقمي" معتبرا أن هذا النوع من الحروب الجديدة فى الفضاء الإلكترونى قد يكون أخطر من الحروب التقليدية والمعارك المتعارف عليها بين الجيوش على الأرض ..
يؤكد بيتر بومارنتسيف أن إشكالية الأخبار الكاذبة والتضليل تتفاقم مع تكاثر مواقع التواصل الاجتماعى لتكون تلك المواقع طرقا رئيسية فى حروب المعلومات التى تدور رحاها "أون لاين"على المستوى الكوني ..
حيث يرجع انتشار الأخبار المزيفة إلى مجموعة من الأسباب فى مقدمتها اللعب على الجوانب العاطفية لدى الفئات التى تستهدفها، واستغلال حالات عدم الاستقرار والفوران والأحداث الآنية للترويج للشائعة، والعزف على وتر الغضب، حيث ان أدوات الذكاء الاصطناعى يلعب دورًا مهما فى تفاقم الأزمة عبر «استيلاد» الأخبار الكاذبة ونشرها بأشكال وأساليب مختلفة، لفئات عمرية متنوعة، وأصبح لها اليد العليا فى استيلاد الأخبار الكاذبة ونشرها بأشكال وأساليب مختلفة، لتناسب فئات عمرية متنوعة، مثل روبوتات الدردشة الاي تساعد على انتشار الأخبار الكاذبة والمفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي، والرغبة الإنسانية فى متابعة كل ما هو جديد، إلا أن البعض قد يكتفى بقراءة العناوين الرئيسة فقط، ما يقلب فكر وثقافة المجتمع ..
وفى العموم ليس من السهل معرفة مدى خطورة الشائعات فى إعاقة خروج المجتمعات من أزماتها فى الوقت المناسب واكتشاف الكيفية التى تعمل وفهمها تنب بهذا الاتجاه، فالشائعة تعمق الأزمة وتوسع نطاقها أيضاً، وقد أصبحت القراءة سريعة غير متأنية وغير فاحصة، وبعض الأخبار الزائفة يصعب تمييزها لأنها تمزج بين القصص الحقيقية والكاذبة لإرباك المجتمع، ما يجعل فكرة الأخبار المزيفة أقرب إلى التصديق للوهلة الأولى، وهناك دراسات أكاديمية تناولت أثر الإشاعات على دولة ما فى عصر من العصور، وتختلف أهداف ترويج الإشاعات ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية وغيرها من الأهداف، وقد تقوم بها جماعات معينة أو أحزاب ما أو أجهزة معنية فى دولة أو دول معادية، ومن النواهي في الأديان وأجيز بعض منها في الحروب ولكنها تظل من الأشياء المنبوذة ويكون ذلك فى وقت السلم والحرب أيضا ..
على الجميع يدرك أن الإشاعات تجد بيئتها الخصبة فى المجتمعات التى تفتقد الوعى ويسودها الجهل وتنتشر فيها البطالة، وهي أشد خطرًا على المجتمع من حرب الإرهاب ومواجهة الأعداء، فإنه يجب على المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية أن تتضافر جهودها لتهذيب النفوس وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية السوية، وتهيئة المجتمع وتوعيته بألا يصدق أو يردد ما يتلقفه من أخبار دون التأكد من مصداقيتها، وبث روح الثقة بين الحاكم والمحكوم في جنوبنا الحبيب والقضاء على كل ما من شأنه أن يضيع هذه الثقة، إلى جانب ضرورة تكذيب الإشاعات إعلاميًّا وتفنيدها وبيان خطورة الانجراف وراءها، فالإشاعات عند الله عظيم، فالعقاب والجزاء على قدر الضرر المترتب على القول أو الفعل، لأن قوة المعلومات الصحيحة تخدم الإنسان السوى الباحث عن الحقيقة ومن ثم فهى تخدم حريته ..
التعليقات على الموضوع