ازمة الثورة الجنوبية بعد حرب 2015
ازمة الثورة الجنوبية بعد حرب 2015م
(الكلام ما قبل الاخير)
احمد مصعبين
ابو الشهيد/محمد
21 فبراير 2019م
ان جوهر الازمة التي تتعرض لها الثورة الجنوبية التحررية في الوقت الراهن، تكمن في غياب (التنظيم الثوري) الذي ينبغي ان يقود الجماهير بوعي الفكرة والموقف السياسي وثورية الادوات والاساليب،ووضوح الاهداف التكتيكية والاستراتيجية التي يناضل شعب الجنوب من اجل تحقيقها.
ان اخطر مرحلة مر بها شعب الجنوب اثناء وبعيد الحرب التي شنتها القوات والمليشيات المسلحة اليمنية (الشمالية) على الجنوب في ربيع 2015م، هو الفراغ السياسي في الجنوب والذي نتج عن فشل مكونات الحراك الجنوبي في تشكيل الحامل السياسي (التنظيم الثوري) للقضية الجنوبية. وقد حاول حزب الاصلاح اليمني ملئ ذلك الفراغ بانتهازية واضحة حيث يتذكر ابناء الجنوب جيدا ذلك الثالوث الاصلاحي الخطير اللذين قدموا انفسهم، وقدمتهم القنوات الفضائية الشرعية والخليجية باعتبارهم قيادة المقاومة الجنوبية(نائف البكري-قائد المقاومة، علي الاحمدي-المتحدث الرسمي باسم المقاومة، انيس منصور- الناطق الصحفي باسم المقاومة) كما يتذكر الجميع تلك الاعداد الهائلة من المحللين السياسيين والصحفيين الشماليين من مختلف العواصم العربية والعالمية المنتميين لحزبي المؤتمر الاصلاح واللذين احتكروا التحليلات في مختلف القنوات الخليجية والشرعية وبالمقابل اخراس الصوت الجنوبي بتعمد واضح من قبل القائمين على تلك القنوات، الا ان القوى السياسية الجنوبية الاستقلالية-برغم تشتتها- احبطت تلك المحاولة بمساعدة دولة الامارات.
لقد كانت الظروف الموضوعية والذاتية والتي تهيأت بعيد الحرب والانتصارات التي تحققت بفضل المقاومة الجنوبية وشهداء الجنوب وخصوصا بعد تحرير عدن ولحج وابين، كانت كافية لاجراء عملية فرز حقيقية في اطار مكونات الحراك الجنوبي الاستقلالية ومن ثم البدء بخطوات عملية لتشكيل (التنظيم الثوري) لقيادة الجماهير نحو استكمال مرحلة التحرر الوطني السياسي والاقتصادي والعسكري في بعض مناطق محافظتي شبوة وحضرموت ومحافظة المهرة من الاحتلال اليمني، الا ان ذلك لم يحدث، حيث تركت الامور كيفما اتفق فيما يتعلق بملئ الفراغ السياسي في الجنوب، فتولا كل من الشرعية والتحالف تلك المهمة الرئيسية والخطيرة.
ولعل ابرز ما حدث في هذا السياق هو تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي في خضم الصراع الذي نشأ بين المناضل/عيدروس الزبيدي- محافظ محافظة عدن في مواجهة الشرعية من جهة، ومن جهة اخرى بين الشرعية ودولة الامارات العربية.
ان تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي لم يأتي كحالة طبيعية واستجابة لنضوج الظروف الموضوعية والذاتية بحيث يمثل (تنظيما ثوريا) لمواجهة كافة اعداء استقلال الجنوب وظروف المرحلة التي نشأت بعد الحرب، بل جاء نتيجة للصراع الذي نشأ بين الاطراف المذكورة آنفا واتسم بملامح ذلك الصراع، حيث انعكس ذلك بصورة واضحة في شخوص وطريقة ودوافع تشكيل المجلس على مستوى كافة هيئاته، ولذلك ابتعد كثيرا عن اعتباره (تنظيما ثوريا) بل هو اقرب الى(المنظمة الجماهيرية الشعبية).
وبالنتيجة ارتكبت العديد من الاخطاء الجسيمة التي اضرت بمكانة القضية الجنوبية في اطار الصراع باعتبار شعب الجنوب هو صاحب القضية الاساسية وهو الوحيد الذي خاض الصراع والحرب بمساعدة التحالف في مواجهة القوى الشمالية اليمنية وقدم في سبيل ذلك قوافل من الشهداء ، الامر الذي كان كافيا وكفيلا بان يتمسك الانتقالي وبقوة باستقلال القرار الجنوبي الوطني ، والتكتيك مع كافة القوى بما لا يضر بالثوابت الوطنية.
انه من الجحود وعدم الموضوعية التقليل من حجم الانجازات التي حققها الانتقالي منذ انشائة وحتى المرحلة الراهنة في مختلف الجوانب، الا انه من الخطورة بمكان اغفال مجمل السلبيات التي ارتكبها وهي ناتجة عن ظروف ومواقف محلية واقليمية ودولية قاهرة من جهة ، ومن جهة اخرى التشكيلة (الهلامية) الغير منضبطة على مستوى بعض هيئاته ورموزه والتي جاءت نتيجة لضعف الانضباط التنظيمي وضعف الوحدة الفكرية والسياسية لها.
ويمكن ابراز اهم تلك الاختلالات في الاتي :-
1) عدم الوضوح في تكتيكات واستراتيجيات الشراكة مع التحالف فيما يتعلق بالهدف الذي ناضل ويناضل من اجله شعب الجنوب والمتمثل باستعادة استقلال الدولة الجنوبية.
2) افساح المجال لعودة القوى الشمالية للعمل سياسيا وعسكريا في الجنوب وفي عدن تحديدا (الحكومة الشرعية، عودة قيادات وافراد عسكرية اصلاحية في اطار الالوية الرئاسية، عودة قوى عسكرية تابعة لاسرة علي عبدالله صالح والمؤتمر، كثافة انتقال عناصر شمالية الى عدن بعضها بدعوى النزوح والبعض الاخر بمبرر الهروب من الحوثيين...الخ).
3) القصور والضعف في تشكيل قوات عسكرية وامنية مسلحة جنوبية من حيث وحدة غرفة العمليات والقيادة، المستوى التدريبي والقتالي، ضعف العمل السياسي وترسيخ العقيدة الوطنية الجنوبية في اوساط القوات الجنوبية المسلحة المختلفة، تواضع التسليح....الخ.
4) السماح باشراك شباب الجنوب في القتال في الجبهات الشمالية وتحملهم كل اعباء القتال دون ضمانات حقيقية فيما يتعلق بتأييد التحالف لحق الجنوبيين في استعادة استقلال دولتهم.
5) ضعف الجانب الاعلامي والسماح للقنوات الشرعية واعلام التحالف بتجيير الانتصارات التي حققها ويحققها شباب الجنوب لصالح ما سمي بالمقاومة الشعبية والجيش الوطني الوهمي، والاكتفاء بالاشادة بدور شعب الجنوب ومقاومتة وقواته الباسلة من قبل اصوات خليجية غير رسمية هي متعاطفة اساسا مع قضية شعب الجنوب منذ ما قبل الحرب (انور الرشيد، وفهد الشليمي مثلا) ولكنها لا تمثل الموقف الرسمي لكل من السعودية والامارات.
6) عدم اتخاذ اية تدابير او اجراءات لمواجهة (ثقافة العربية اليمنية) والتي جرى ترسيخها واشاعتها في وجدان الشعب الجنوبي عموما والشباب خصوصا على مدى اكثر من ربع قرن من قبل الاحتلال اليمني للجنوب.
7) عدم مواجهة العبث الذي اتسع نشاطه وتأثيرة في الاونة الاخيرة في عاصمة الجنوب(عدن) من قبل الكثير من القوى السياسية والعسكرية والامنية الغير منضبطة بعضها تتبع الشرعية وقوى وعناصر شمالية وبعضها محسوبة على الانتقالي والمقاومة الجنوبية.
ان حجم التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجه شعب الجنوب وقضيته الرئيسية تتطلب من كافة القوى الوطنية الجنوبية الاستقلالية(بما فيها الانتقالي) موقفا وطنيا لاعادة توجهات الثورة الجنوبية الثانية الى مسارها الصحيح، ولن يتحقق ذلك الا من خلال قيام هذه القوى مجتمعة وعلى قدم المساواة لتشكيل (التنظيم الثوري) لقيادة الجماهير الجنوبية لاستكمال مرحلة التحرر الوطني.
ملحوظة : -
* لم يتم التطرق الى بقية مظاهر الازمة لتسهيل الاطلاع.
* في الحلقة القادمة والاخيرة سوف نتناول (ماهية التنظيم الثوري الجنوبي وشروط تشكيلة ومعايير العضوية فيه، ودورة في المرحلة القادمة).
وهي اخر اسهاماتي المتواضعة في هذا الجهد الوطني، فلسان حال بعض القوى الجنوبية المؤثرة يكاد يتطابق مع التعبير (قولوا ما شئتم،وسوف نفعل ما نريد)
وسوف اتفرغ باذن الله بمعية شقيقي المناضل/عبدالعزيز مصعبين في انجاز اعداد الكتاب الذي يحوي مذكرات والدنا الفقيد المناضل/محمد سعيد مصعبين حول الثورة الحنوبية الاولى.
مع الشكر والتقدير للجميع
التعليقات على الموضوع