قراءة في الملف الأفغاني بعد اتفاق واشنطن وطالبان.
شبكه صوت الجنوب
تقرير - محمد مرشد عقابي:
دخلت افغانستان مرحلة جديدة مع توقيع واشنطن عبر مندوبها زلماي خليل زاد على اتفاق سمي اتفاق السلام مع حركة طالبان في هذا البلد الذي عصفت به الحرب لمدة طويلة، وتبدأ المرحلة الجديدة في أفغانستان بعملية الإنسحاب الأميركي وعودة طالبان إلى أجزاء من البلاد ودخولها في السلطة.
وتدور في واشنطن العديد من الأسئلة حول كيفية التوصل إلى هذا الإتفاق الذي تمخضت عنه مفاوضات قادتها ورعتها دولة قطر وبغياب أساسي للحكومة الأفغانية وسط ظلام لفت تلك المحادثات حيث لم يطلع الرأي العام بتفاصيل ما جرى خلف الكواليس منذ أشهر، إدارة ترمب أعلنت موافقتها على هذا الإتفاق ووصفته بأنه يخدم المصلحة الوطنية الأميركية سيما وهو يؤمن تنفيذ بند من بنود الحملة الإنتخابية للرئيس أي سحب القوات الأميركية من دولة وجد فيها منذ 18 عاماً، ويرى مراقبون بان آلية تنفيذ هذا الإتفاق لا تزال في مراحلها الأولى وهناك الكثير من النقاط مازالت مطروحة الآن وستطرح مستقبلاً، مؤكدين بان الإتفاق بحد ذاته يشمل أولاً وقف العمليات العسكرية من قبل حركة طالبان وبالتالي تجميد عمليات أميركا العسكرية وحلف الناتو ويتبع ذلك ثانياً انسحاب أعداد كبيرة من القوات الأميركية وثالثاً تلتزم طالبان بعدم مساعدة أو شن أي عملية ضد أميركا من الأراضي الأفغانية كما حدث في سبتمبر (أيلول) 2001م وتتعهد طالبان بالإلتزام بذلك ورابعاً باجتثاث مجموعات "القاعدة" و"داعش" من أفغانستان بعامة ومناطقها بخاصة، لأفتين الى ان هذا يعتبر هو لب الإتفاق المبرم بين الطرفين والذي أقنعت قطر من خلاله واشنطن بقدرتها على انتزاع هذه القناعات والإلتزامات من طالبان.
الى ذلك يرى عدد من المحللين والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط بأن حركة طالبان قد ترفض وقف إطلاق النار ومواجهة أميركا إذا كانت النتيجة انسحاب قواتها من البلاد والذي يعد أمراً طبيعياً للحركات المتطرفة وبالطبع لن تعارض الإنسحاب سواء كان جزئياً أو كلياً، مشيرين الى ان طالبان ومن خلال مساعيها الحثيثه للعودة مجدداً الى السلطة ستلتزم بهذه المعاهدات وستمتنع عن دعم أي عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة وهذا أمر منطقي بالنسبة إلى حركة تريد انتزاع السيطرة على أفغانستان من جديد والأنطلاق نحو آفاق الوجود الدولي، مؤكدين بان طالبان لن تكون حازمة في ضربها حلفاءها المتشددين داخل أفغانستان بل ستفعل كما فعلت قوى أخرى في الشرق الأوسط حيث ستمنع بعض الجماعات من التحرك كداعش على وجه الخصوص ولكنها لن تتخلى عن مشروعها البعيد المدى أي إقامة خلافة في أفغانستان.
ويعتقد بعض النقاد والخبراء السياسيون بان هذه الإتفاقية ستسمح لحركة طالبان بالتمدد في الجنوب وتعزيز مواقعها بعد الإنسحاب الأميركي والأطلسي والذي قد يصل الى دخول كابول عبر النشاط السياسي أولاً وإنشاء مجموعات أمنية تمهيداً لإعادة سيطرتها على العاصمة، وفي هذا الإطار من الممكن أن تكون الدوحة أقنعت قيادة الحركة بالتصرف بحكمة والإنخراط في مؤسسات الدولة أولاً والإلتزام بالإتفاق ودفع الثمن الميداني لذلك بما معناه أن تضع السيطرة على المؤسسات كأولوية قبل السيطرة على مناطق خارجة عن سيطرة نفوذها.
ويرى بعض المراقبين للمشهد الأفغاني بان طالبان ستسعى على المدى المتوسط والبعيد إلى إعادة إقامة دولة إسلامية في أفغانستان ربما لا تكون على نمط الإمارة البدائية التي أقامتها بين عامي 1996م و2001م ولكن على نمط مؤسسات شبيهة بتلك التي أقامتها بعض الجماعات والاحزاب المتشددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو ما يجعل تساؤلات عديدة تتبادر الى الاذهان وتبحث عن اجابة شافية حول ماذا يمكن أن يحصل في الواقع، في غضون ذلك يؤكد بعض المحللين بان الحركة وعلى إثر هذه الإتفاقية ستحشد قدراتها للإنتشار أولاً في جنوب البلاد والسيطرة عليها ثم التمدد والسعي إلى الحصول على مساعدات مالية تكون شرعية مع توقيع الإتفاق الأمر الذي سيعطيها القدرة على فتح أبواب الحصول على مساعدات والإنخراط في مشاريع مالية حيث ان هذا الإتفاق سيمنح طالبان شرعية قانونية للسيطرة على السلطات المحلية وتمثيل أفغانستان في المحافل الخارجية أيضاً، اما الإنطلاق من مرحلة التثبيت والانخراط في الدولة إلى مرحلة المواجهة مع قوى الشمال المتمثلة في الحكومة وحلفائها فستقررها الحركة ومستشاروها الدوليون بحسب التوقيت الملائم وبالتالي ستعمل على تعزيز نفوذها قبل ضرب الخصوم وفي حالة وجود فرصة حقيقة لضرب القبائل والقوى الشمالية المعارضة لها فلن تتوانى عن ذلك في أي وقت الشيء الذي سيجعل هذا الإتفاق عرضه للسخط والأستياء من قبل كافة الأطر والأطياف الدولية سينتج عنه ردود افعال محلية غاضبة وتداعيات إقليمية، حيث ان قطر تستغل ذلك لتعزيز نفوذها في هذا البلد من خلال رعايتهم وتبنيها لهذا الإتفاق الذي سينمي ايضاً قدرتها على التواصل الدولي والذي سينعكس في حال نجاحه على تنسيق بين طالبان باكستان وطالبان أفغانستان وسينتج حواراً مع حلقات أمنية في إسلام أباد وبالمقابل فإن حكومة كابول وحلفاءها في الشمال لن يكون أمامهم سوى البحث عن حلفاء آخرين بالإضافة إلى ما سيتبقى من نفوذ أميركي وهذا في مجمله يعني قيام قوى الشمال بمد يدها إلى قوى اخرى بحثاً عن تحالف يعيد التوازن المحلي والأقليمي ويقيم جسور العلاقة بين كابول والهند.
وبحسب مراقبين فان إيران تتحين الفرصة المناسبة لإقتناصها والدخول الى عمق هذا البلد لزعزعة أمنه واستقراره وهي بذلك تبحث عن منفذ وفي حال وجود اي ثغرة تنجم عن هذا الإتفاق ستسعى الدولة الفارسية لمد نفوذها عبر جماعات (الهزارا) الشيعية المتطرفة الموجودة داخل أفغانستان والإستفادة من المواجهة الإستراتيجية بين الجنوب الطالباني والشمال المعتدل بالإضافة إلى محاولات روسية وصينية كذلك للإستفادة من الوضع الجديد في أفغانستان ان وجدت اي اختلالات قائمة من قبل الأطراف المحليون، ويؤكد المراقبون للمشهد الأفغاني بان إسهام قطر في إعادة حركة طالبان إلى المعادلة الأفغانية والواجهة الإقليمية والدولية ينبثق أساساً من تحرك اللوبي التابع لها في واشنطن الذي أقنع البيروقراطية الأميركية وجزءً من إدارة ترمب بأن في مصلحتهم الإنسحاب عبر اتفاق مع طالبان ما يساعد على تنفيذ بند من برنامج ترمب الإنتخابي ويخفف وزر الحرب والخسارة المادية والعسكرية في هذا البلد الآسيوي الملغوم وهو ما يعني أن طالبان الجديدة ستكون أكثر ولاء للقطريين من دون التخلي عن الكتلة الأكثر راديكالية داخلها وسوف تظهر اعتدالاً سطحياً ولكن لن تتنازل عن استراتيجيتها البعيدة المدى، وينقسم الرأي العام في واشنطن بين القاعدة الإنتخابية للرئيس ترمب التي ستعتبر هذه الإتفاقية إحدى إنجازاته وبين قاعدة رأي واسعة داعمة للرئيس ولكنها لا تثق بطالبان وهو ما يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيها امام كل الإحتمالات والأشهر المقبلة حبلى بالكثير من المفاجئات وسوف تشهد نقاشاً بين الأطراف داخل البيت الأبيض وصولاً إلى إعادة تحديد السياسة الأميركية حيال أفغانستان بعد الإنتخابات المزمع عقدها لاحقاً هذا العام.
التعليقات على الموضوع