الثَّائـر محمـد مانـع الشَّاعـري: الفارسُ الثُّـوري الـذي تَرجَـلً عـن صهـوةِ جوادهُ بعد مشوار نضالي حافل بالعطاء
الثَّائـر محمـد مانـع الشَّاعـري:
الفارسُ الثُّـوري الـذي تَرجَـلً عـن صهـوةِ
جوادهُ بعد مشوار نضالي حافل بالعطاء
❍ كتـ ✒ـب// شايــف الحـــــدي ❍
☜ صفحات تاريخية ناصعة مليئة بالبطولات والكفاح والإنجازات تركها الثَّائر والبطل القومي المناضل الراحل/محمد مانع صالح الشَّاعري، وأنتقل إلى جوار ربه وبقيت سيرته العطرة وعطاؤه في فترة الكفاح المسلح إبان المستعمر البريطاني نبراسا يُضيء لنا دروب الحُرِّية.
إنَّ الناظر إلى تاريخ الضَّالع عبر مراحلها ومنعطفاتها النَّضالية الطَّويلة يجد أنَّها ازدانت بالكثير ممن سطروا ملاحم التَّضحية والفداء وممن عشقوا المجد والخلود ليرسموا معالم النَّصر لهذه الأرض، فالتَّحيةِ في هذا المقام لكُلِّ ثائرا ومقاوم وشهيد وجريح وراحل مجّد تُراب وطنه، فأستحق الرِّفعة والعزَّة والكرَّامة.
وحقا كما قالوا قديما:لكل اسم من صاحبه نصيب، والراحلُ كان لاسم أسرته « الشَّاعري » نصيب من ذلك، فهذه الأسرة العريقة ــ التي لازالت سلالتها الأصيلة متبقية في قرية « الملحة » شرقي مدينة الضَّالع ــ أرتبط اسمها بالنضال ومقارعة الغزّاة أبتداءً من الغزو التَّركي والزِّيدي مرورا بالبريطاني، فقد ورث الأبناء في منطقة الضَّالع النَّضال عن آبائهم وأجدادهم في مقارعة المستعمرين.
نعم..ترجَّلَ الفارسُ أبو الشَّهيد الثَّائر/بركان الشَّاعري (أبرز مؤسسي حركة حَتم والمقاومة الجنُوبيَّة) وعمّ الشَّهيد القائد/عبدالجبار عبداللَّه مانع الشَّاعري (قائد معركة السِّيطرة على موقع حياز العسكري في عام 1998م)، وابن عمّ القائد الثَّوري في جيش التَّحرير المناضل الوطني اللواء الراحل/فضل محمد صالح الشِّاعري (الذي تناوب على قيادة جبهة التَّحرير الفصيل الثُّوري الأقوى والأكثر تدريبا وتنظيما)، الذي رفض والده الشَّهيد الثَّائر/محمد صالح الشَّاعري وجده الشَّهيد الثَّائر/صالح سالم الشَّاعري مساومة الاحتلال البريطاني على خيانة وطنهم وتسليم بلادهم للغزّاة وفضلوا المقاومة على الإستسلام، ولم تكتفِ هذه الأسرة النَّضالية العريقة عند هذا الحدّ، بل قدمت الشَّيخ الشَّهيد الثَّائر/علي صالح سالم الشَّاعري الذي ملء صيته أرض الوطن لشجاعتهِ ودهائه وفراسته وحكمته وكرمه ونصرته للمظلوم، الذي رفض أنَّ يُقايض بريطانيا لتسليم بلاده وفضل المقاومة إلى أن وقع في الأسر بيد الأنجليز وتمّ نقله من الضَّالع إلى سجن الشَّحر بحضرموت وهناك مكث في معتقلهِ عقدين من الزَّمن حتَّى عشية الاستقلال الوطني عام 1967م وبدلا من تكريمه بالأوسمة والنَّياشين وتخليد صورته في أحد الميادين كبطل قومي رفض تسليم أرضه للغزّاة، وجدنا حكومة الرفاق بعد الاستقلال تتنكر لدور هذا القائد وأدواره الوطنية النَّضالية وتم تصفيته بطريقة وحشية.
هذا كان غيض من فيض لمَّا قدمته هذه الأسرة من قوافل للشّهداء في سبيل نيّل الحُرِّية لعزّة هذا الوطن وكرامته .
لقد عاش الفقيد البطل/محمد مانع الشَّاعري في صباه حياة المعاناة والبؤس ورضع مع حليب أمه مرارة التَّشرد في الجبال والكهوف بسبب قصف الطَّيران البريطاني لقرى الضَّالع .
وهل هُناك تاريخ أَجل ُمن تاريخ أولئك الرجال الأبطال الذين يعملون بصمت، فإذا ما أزفت ساعة الرّحيل حدثت عنهم أعمالهم الخالدة وسطرت أمام النَّاس أفعالهم البطولية المشرفة في سجلات التَّاريخ النَّضالي لشعب الجنوب..؟!!
تَرجَل الفارسُ الثُّوري عن صهوةِ جواده ليترك لنا ذكرياته التي زرعها في نفوسنا، وحينما كُنت تنظر في عينيه تخال أنَّ هموم الدُّنيا تسكن فيهما، ولكنَّ حين تعرف أيُّ وجه ثائر ذاك الذي يحمل هاتين العينين وأي شخصيَّة قيادية صلبة تلك التي تتدثر الملامح الوادعة من ثناياها وتحكي قصّة بطلا أختزلت حكايّة ثائرا مقاوما على ثرى أرضه، وعلى التَّاريخ أنَّ يدوّن اسمه بصفحات المجد والخلود.
وللفقيد أدوار نضاليَّة بارزة في حركات التَّحرر الجنوبيَّة كان أهمها مشاركته الفاعلة في أنتفاضة عام 1956م في جليلة الضَّالع ضد المستعمر البريطاني والتي شملت مناطق كثيرة في الضالع وأمتدت إلى سلسلة جبال جحاف، وأستعمل فيها المستعمر كل أنواع الأسلحة بما فيها الطَّيران، وبعد قمع هذه الإنتفاضة في عام 1957م غادر من ضمن قافلة من المناضلين إلى دولة الكويت وتأثر هناك بحركة القوميين العرب وعاد ضمن الكثير من القيادات للمشاركة في أشعال ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م وتدشين جبهة الضَّالع القتاليَّة ضد المستعمر البريطاني وطوَّال سنوات نضاله حتى تحقّيق الاستقلال عام 1967م شارك الفقيد بفدائية وشجاعة منقطعة النَّظير وضرب أروع ضروب الشَّجاعة في مختلف جبهات القتال ضد المستعمر البريطاني على طول وعرض الجنوب، وبرز دوره كأحد القيادات العسكرية الشَّجاعة من خلال مشاركاته في قيادة جبهة التَّحرير.
وطوّال حياته منذُ الاستقلال الوطني حتَّى توفاه الأجل لم يُلاقِ الراحل التَّكريم اللّائق أو الأعتراف بأدواره النَّضالية مع أنَّ كُلّ القيادات التي وصلت إلى السُّلطة في الجنوب قبل عام 1990م وما بعده يعرفون جيدا التَّاريخ النَّاصع لهذا البطل الذي تنكر لّهُ الرفاق مثلما تنكروا للكثير من القيادات ورموز الثُّورة التي تمّ تصفيتها وتشريدها وإقصائها، ورغم ما حدث فقد آثر القائد/محمد مانع الشَّاعري ذلك الجحود والنَّكران وعاش حياة العزّ والكرامة عزيزا شريفا متمسكا بمبادئه الوطنية التي تربى عليها منذ الصِّغر مدافعا عن أرض الجنوب في مختلف المنعطفات التَّاريخيَّة.
تَرجَل البطل والرجل الثَّائر الذي عركتهُ الأيام وصنعت منه هذه الشَّخصية القيادة، ضابطا ومحاربا وجنديا مقداما، أعطى كل وقته وعمره وجهده لتحرير وطنه، وكان رمزا للنضال والوطنيَّة والذَّكاء والتَّواضع والبسّاطة وشغل قائد عمليات جيش التَّحرير إبان الكفاح المسلح.
وكان رحمه الله قائدا عسكريا ذوُ نظرة بعيدة من طينة القادة الكبار وكانت لديه كل سِمَات القائد الميداني المتكامل وعمل في جبّهات الضَّالع وردفان والصَّبيحة وعـدن رفقة العديد من القيادات الميدانيَّة أمثال الشَّهيد القائد/علي بن علي هادي ذي حران والمناصل القائد الرّاحل فضل محمد صالح الشَّاعري والشهيد القائد/عبدالرحمن المنصوب، وغيرهم من القيادات البارزة وكذا أرتباطه الوثيق بالقيادات المصرية في جبهات القتال في الضَّالع أمثال الجنرال/محمد سمير السِّيد المعروف بالاسم الحركي "سمير عبدالتواب" واللواء/رجائي فارس محمد، قائد الاستطلاع بقافلة السِّلاح المُسمَّاه صلاح الدِّين التي أمدت الثُّوار بكل ما يحتاجونه من أسلحة وذخائر وقد شاركوا الثُّوار في جبهات الضَّالع معاركهم وكانوا من الضَّباط الذين لهم دور كبير في تدريب عناصر جيش التَّحرير.
لقد كان الراحل محمد مانع الشَّاعري، للثَّائرين رمزا وقائدا بزناد سلاحه وعنفوانه وروحه الوثابة كرّس جُلّ حياته للنضال وقدم واجبه الوطني على أكمل وجه، فقد سار مقاوما ومحاربا وثائرا على خُطى آبائه وأجداده وكان للبطولة رجُلا، وعنه كل كلمات المجد تُقال.
أخيرا تحيَّة لروحك الطاهرة ومسيرتك الظَّافرة في يوم رحيلك أبا بركان، وتحيّة للتربة النَّدية التي وضع عليها جسدك، وستظل روحك خالدة، وستبقى حاضرا في كل قلب، نسأل الله العلي القدير أنَّ يسكنك أعالي الجنان..أَيُّهَا المحاربٌ المخضرم الضرغام.
❐ ▫ ❐ ▫ ❐ ▫ ❐ ▫ ❐ ▫ ❐
التعليقات على الموضوع