شبكه صوت الجنوب

ads header

هل سيحافظ جيل اليوم من الحضارمة على قيم الآباء والأجداد ، قيم الصدق في القول والأمانة في التعامل وعدم الغش والغدر


هل سيحافظ جيل اليوم من الحضارمة  على قيم الآباء والأجداد ، قيم الصدق في القول والأمانة في التعامل وعدم الغش والغدر   ؟؟؟///////////-------/////-----

 قديما كانت حضرموت  يطلق عليها الأحقاف ، (وأذكرأخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف .... .((الأحقاف الآية ٢١ )) ويذكر بعض المؤرخين  ، أن سبب  هذه التسمية ، تعود إلى عامر بن قحطان أول من نزل  الأحقاف ، فكان إذا حضر حرباً أكثر من القتل ، فصاروا يقولون عند حضوره : حَضَرَ موت ، فصار ذلك عليه لقباً ، ويقولون للأرض التي بها قبيلته ، هذه  أرض حضرموت ، وفي التوراة إسم حضرموت : حاضرميت ، وكانت حضرموت موطن عاد وأقيال التبابعة وملوك حمير وكندة .

 وقد بلغ الحضارمة في المدنية والحضارة مبلغا لامثيل له في عهدهم ، فقد بنوا القصور الشاهقة وعمّروا المدن الواسعة ، وحفروا الترع والسواقي ، وأنشأوا السدود   الضخمة لحجز المياه ، لسقي المرتفعة  من  الأرض والمنخفظة  منها ، وعبّدوا الشوارع وغرسوا الحدائق والبساتين ، وعاشوا في ترف ونعيم . 

 الحضارمة أكثر شعوب العالم  حباً للهجرة ، وَيرٌجِعٌ كثيرمن المؤرخين  ذلك إلى طبيعة الحياة القاسية في حضرموت ، وإلى الصراعات القبلية التي كانت محتدمة في تلك الفترة . أما صلاح البكري   في كتابه ، التاريخ السياسي لحضرموت ، قال : لقد أخذت  هجرة  الحضارمة اتجاهين : الاتجاه الأول نحو الشمال ، إلى مصر والإندلس ، العراق ، وغيرها من المدن ، التي كانت مشعلا للعلم ، وذلك بهدف تلقي العلم ، وفعلا برز كثير من العلماء الحضارمة في علوم  متعددة ،  وتولى البعض  منهم مسؤوليات في تلك الدول التي تعاقبت  الحكم فيها ، ولعصاميتهم  وعبقريتهم  نالوا القضاء في دمشق ومصر والإندلس . 

 الإتجاه الثاني للهجرة الحضرمية : كانت شطر جنوب الهند وسواحل أفريقيا الشرقية ، كانت لغرض تجاري محض ، ولكن بالرغم من اشتغالهم بالتجارة ، فقد نشروا الإسلام بين آهالي تلك البلدان ، وبنوا المساجد والمدارس لتعليم القرآن الكريم ، ولأمانتهم ومعاملتهم الحسنة  مع الآهالي ، احترمهم الناس  واتخذوهم انصاراواعوانا لهم في شؤونهم الخاصة والعامة ، وكانت كلمتهم مسموعة وأمرهم نافذا ، واختلطوا وتزاوجوا مع شعوب تلك البلدان .

كما كانت للعرب الحضارمة  هجرة أخرى عظيمة في تاريخهم ، هي هجرتهم  إلى جزر الهند الشرقية ، لايٌعْرَفٌ بالتحديد  بدء هذه الهجرة ، ولكن من المرجح  أن تكون في أواخر القرن الثامن الميلادي  قبل أن يصل إليها البرتغاليون والهولنديون ، وكانت هذه الجزر عبارة عن ممالك أشبه بالإقطاعيات ،  الديانة البوذية  منتشرة في كل طبقات السكان ، فاستطاع الحضارمة بما أوتو من جلد وصبر وهمة ، وأمانة في المعاملة ، وصدق في القول ، ان يستميلوا  إليهم  القلوب ويندمجوا مع شعوب هذه البلدان ، الذين يخالفونهم جنسا  ولغة ودينا وأخلاقاً وعادات ، فكان من نتائج  هذه الهجرة أن تلاشت ديانة بوذا، وقام على أنقاضها الإسلام .

 وفي سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، بإكتشاف النفط في الجزيرة والخليج والحاجة إلى الأيادي العاملة ، شد الحضارمة الرحال  إلى هذه الدول ، حاملين معهم قيمهم النبيلة ، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، قيم الصدق في القول والأمانة وعدم الغش في التعامل  والإخلاص في العمل ،فكانوا محل ترحاب وثقة هذه الشعوب ، فأسهم الحضارمة  المهاجرون  في  تطوير هذه البلدان وبنائها وتقدمها ، وصاروا من أكبر البيوتات المالية ، التي يشار إليها بالبنان  . هذه السمعة الطيبة التي اكتسبها الحضرمي والثقة ، لم تكن مقتصرة على المَهَاجِر التي وجد فيها الحضرمي، بل حتى في داخل البلاد ، فكان الحضرمي  محل ثقة رؤسائه  ، أينما حل ونزل ، هناك حادثة حقيقية حصلت في معسكر طارق بعدن في سبعينات القرن الماضي ، فيما يعرف حينها بحمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، من المعروف أنه في تلك الفترة كان التجنيد العسكري إجبارياً ، على كل الشباب لايستطيع أحد الحصول على الوظيفة ، التي كانت في تلك الفترة سهلة ، أو الدراسة إلا بدفتر التجنيد ، الذي يثبت أن المذكور قد أدى الخدمة العسكرية ، مضمون هذه الحادثة التى بكى فيها المجندون الحضارمة ، من المتعارف عليه ،  أن محطة المحروقات وكذلك الخزنة التابعتين للمعسكر ، لايٌوَلَّى عليهما ، إلاَ  مجند حضرمي  أو  عسكري  ثابت من أبناء حضرموت هكذا جرت العادة ، بحكم الثقة المطلقة في الحضارم ، لإعتقاد الجميع أن الحضرمي  لايمكن له  أن يسرق أو يكذب أو يغش أو يغدر ، وهذه الثقة المطلقة ، وضعت عبئا ثقيلا على كاهل كل حضرمي ، بأن يكون حريصا على الحفاظ على هذه السمعة  والثقة ، حتى لايٌسِيء إليها أحد ، فتحملوا المسؤولية بإقتدار وأمانة ، وفي احد الأيام بينما كان الجميع داخل المعسكر ، فجأة  الصفارة ( الزيتي ) تصفر ، هذا يعني أنه طابور ، أو استعداد عسكري ، ثم يتحدث الظابط عن سرقة حصلت داخل المعسكر ، ويتوعد الجميع بالعقاب الشديد  ، إذالم يكشفوا السارق ويظهروه ، باعتبار الجميع في نظره مذ نيبين ، وبعد أن أنهى حديثه ، طلب من الحضارم ، الخروج من الطابور ،  لقناعته وإيمانه  ، بأن الحضرمي لايمكن أن يسرق أويغدر أويخون ، بالتأكيد السارق ،ليس من الحضارمة المتواجدين داخل المعسكر، وحينها دمعت أعين  مجموعة من المجندين الحضارمة المتواجدين في هذا المعسكر ، لشعورهم بعظمة المسؤلية الملقاة عليهم ، في الحفاظ على أرث الآباء والأجداد ، المتمثلة في الصدق في القول والأمانة في التعامل  وعدم الغدر  ، التي لم  يكن الإضطلاع  بها وتحملها هينا ً. ولكن السؤال المطروح والذي يمثل تحدياً حقيقيا ، هل جيل اليوم من الحضارمة قادر على التمسك بهذه القيم النبيلة ، التي تركها الآباء والأجداد وحافظوا عليها جيل بعد جيل ، في ظل المستجدات  والتحديات التي تشهدها حضرموت بشكل خاص والجنوب  بشكل عام  ، بعد عام  ٩٠ م ، وماأعقبته من أحداث وتطورات محليا وأقليمياً ؟ ، 

لقد  اكتسب الحضارمة هذه القيم النبيلة ، التي جعلتهم محل احترام  وثقة من يتعاملون معهم في الداخل والمهجر ، بحكم التربية الدينية  والبيئة المحافظة التي نشأوا فيها  ، حيث تكثر  المساجد والمؤسسات الدينية التي تهتم بتربية النشىء الجديد بالتمسك بهذه القيم  ، هذاكان قبل التطورات والتغييرات السياسية والفكرية التي شهدتها حضرموت والجنوب منذ عام ١٩٦٧ م . وبعد قيام الجمهورية اليمنية عام  ١٩٩٠ م ، وما عاشته  الساحة الأقليمية  والمحلية من حروب وصراعات ، ادت إلى قدوم مجموعات من الناس إلى حضرموت ، أما لاجئين هاربين من جحيم الحرب ، أو مستوطنين ،  وكذلك عسكريين  وموظفين ، يحملون معهم سلوكيات  وأخلاق وعادات تختلف وتتناقض كليا مع عادات وتقاليد أبناء حضرموت ، ولاسيما عادة  تعاطي القات ، التي انتشرت بشكل كبير بين صفوف الشباب ، وأغرق تجار القات عمدا مدن المحافظة ، بهذه السموم ،لمايحقق لهم مكاسب كثيرة ، وأقبل كثير من الشباب ًعلى تعاطي القات بشراهة ، لدرجة أنّ عمر الجاوي في تعليقاته  الساخرة ، عليه رحمة الله ، قال: الحضارمة لكي يثبتوا يمنيتهم  ، أخذوا يخزنون بشراهة ، وفعلا صار القات من المشكلات الإجتماعية ، التي تهدد القيم والأخلاق ، التي يتصف بها الحضرمي  ويفتخر بها، فالقات من المعروف أنه لدى كل دول العالم من المخدرات ويٌحَارَبٌ ، إلا في اليمن ، وقبل عام ١٩٩٠ م  في حضرموت  كان القات من  المحرمات ، التي يٌعَاقب كل مَنْ يتعاطاه أو يسوِّقَه أو يقوم بزراعته  ، لكن للأسف الشديد بدلا من الحرص على الابقاء على هذا الحضر، على طريق تقنينه     ، لما له من أخطار وأضرار صحية ونفسية ومادية ، راحت حكومة الوحدة ،  تتفرج على مايجري  من تدمير لحضرموت  وقيمها ، كنوع من الإنتقام في ظل صمت الشريك ، الحزب الإشتراكي وقادته ،هناك ظاهرة أخرى  انتشرت في حضرموت ، وهي أكثر خطورة من تعاطي القات ، ألا وهي المخدرات واتخاذ أراضي المحافظة   لاتساعها وامتداداتها مع دول الجوار ، ممرا لتهريبها إليها  ، لماتدره هذه التجارة من أموال طائلة ، مستغلين غياب الرقابة ااحكومية ، وأخشى  أن يكون هناك عمل منظم وممنهج  لتدمير الشباب في المحافظة  والقيم النبيلة التي تميز بها إبن حضرموت عن غيره من المحافظات الأخرى   ، ولايستبعد ان يكون  هناك من الشباب مَنْ وقع ضحية  لهذه السموم ، لاشغالهم  عن مشكلات اهلهم ومعاناتهم ، حتى يتسنى للمتنفذين سرقة ثروات المحافظةوالعبث بها .                        

  ومن المشكلات أيضا التي تهدد إرث الآباء والأجداد وتفسد أخلاق الشباب الحضرمي  ، وجود عصابات  منظمة  تستخدم النساء عاى نطاق واسع  للتسول  في الاسواق والطرقات العامة ، وممارسة الرذيلة على مرأى ومسمع  الجميع ، وهنّ لسن من بنات حضرموت  ويأتينا من خارجها ، لانعرف السبب الحقيقي وراء هذه الأعداد الكبيرة  من المتسولات ، هل هي الحاجة الماسة إلى المال ، أم أنّ هناك  أسبابا أخرى لانعرفها ؟

للأمانة  وللتاريخ نقولها :  حضرموت مهددة  ومستهدفة ،في قيمها وكيانها وفي وحدتها ، وفي عمقها الحضاري  والثقافي  وفي أمنها وفي استقرارها ، لأسباب كثيرة ، أمّا حقدا أوغيرة منها ، أوطمعاً في ثرواتها ومكانتها الإقتصادية في البلاد ، فعلى جميع أبنائها في الداخل والمهجر ، تقع المسؤولية في الدفاع والذود  عن ارث الأباء والأجداد والقيم النبيلة ، التي عرفوا بها ، وميزتهم عن جميع شعوب العالم ، وهي الصدق في القول ، والأمانة في التعامل ، وعدم الغش والغدر ، فهذه  صفات العظماء والشجعان  ، والتصدي بقوة وشجاعة لكل السلوكيات والعادات الدخيلة  ، التي تهدد هذه القيم ، وبالأخص ظاهرة تعاطي القات وتجارة المخدرات والترويج لها، وكذلك  كل السلوكيات   والأعمال المخلة للأدب والحشمة ، وأملنا كبير في المؤتمر الحضرمي  الجامع  وكل شريف  وغيور من أبناء هذه المحافظة  ، في أن تكون لهم وقفة جادة ضد كل الظواهر السلبية ،التي تهدد حضرموت وقيمها ووحدتها وأمنها واستقرارها .

الأستاذ / فرج عوض طاحس 

سيؤن / حضرموت

ليست هناك تعليقات