شبكه صوت الجنوب

ads header

*لهذه الأسباب المادية.. فشلت تجربة الوحدة الإندماجية اليمنية.. ولذلك أؤيد استعادة دولتي اليمن..*

شبكه صوت الجنوب



*نصر صالح*

*الوحدة؛ المفروض فيها أن تجلب الخير، وتمنحنا العزة والمگنة، وتحقق لنا الأمن والأمان، وتحافظ على مكتسباتنا وتصونها وتضيف إليها. وأن تؤمن لنا المساواة في الحقوق والواجبات، وتحمي حرياتنا العامة*.. 

◼◼ بيد أن معظم ذلك لم يتحقق للجنوبيين بعد الوحدة، للأسف الشديد، باستثناء حرية اللجوء السياسي إلى أي دولة في الخارج (فقد كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تمنع السفر إلى الخارج، لاسيما الكوادر، إلاّ بموافقة خاصة)، وباستثناء حرية تشكيل الأحزاب السياسية وحرية الصحافة والتعبير.. علما أن المطلبين الأخيرين كانت قد سمحت بهما القيادة السياسية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد اقتتال 13 يناير 1968 الدامية بين جناحي الحزب الإشتراكي اليمني الحاكم في عدن، حيث أعطت الضوء الأخضر لتشكيل الأحزاب علنا (سُمح للتنظيم الشعبي لجبهة التحرير ان يعيد تشكيل نفسه وينشط علنا)، وذلك قبل التوقيع على الوحدة في 1990 بحوالي عام ونصف.. علما أن حرية تشكيل الأحزاب كان محظورا أيضا في الشمال حتى قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990.


.. *وأمّا فيما يتعلق بالحياة والحقوق التي فقدها الجنوبيون بعد الوحدة فهي كثيرة* (أوردها في موضوع مستقل بعد هذا الموضوع مباشرة).


◼ وهنا أتحدث عن *أهم الأسباب المادية والفنية، التي أراى (من وجهة نظري الشخصية وكجنوبي) أنها وراء فشل تطبيق الوحدة الإندماجية اليمنية على أرض الواقع على امتداد الفترة منذ توقيعها في 22 مايو 1990 وحتى اليوم*، وأوجزها بالتالي: 


1- *الفارق العددي الكبير بين سكان الجنوب وسكان الشمال*، فالكثافة السكانية في الشمال أكثر بخمس مرات من الكثافة السكانية في الجنوب.

2- يقابل ذلك *تناسب معكوس بين مساحتي الدولتين*، فمساحة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أكبر بحوالي مرتين على مساحة الجمهورية العربية اليمنية (مساحة الجنوب 139,048 ميل مربع، ومساحة الشمال 75,290 ميل مربع).

◼◼ *وبسبب هذا الخلل، كان من الطبيعي (كسلوك بشري غريزي) أن يقدم الطرف الأكثر عددا على الزحف طنعل للإستيلاء على ما لدى الطرف الأقل عددا ويمتلك مساحة ارض فسيحة*.. فتحولت الحالة من وحدة متكافئة إلى *«ضم والحاق»* بقوة الكثرة العددية. بل وتطورت بعد انتصار الطرف الأكثر عددا في حرب صيف 1994 إلى أكثر من مجرد الضم والإلحاق كما سأطرق إلى ذلك في السبب رقم (9).

3- *إختلاف الطبائع والتقاليد الموروثة للمجتمعين*.. وحتى الأمزجة.. بل وحتى اللباس أو الهندام، فمثلا تجد أن أبناء الشمال وتحديدا أبناء شمال الشمال يتمسكون بقوة بالتأزر بالجنبية وفي العاصمة صنعاء ذاتها، بل وحتى عند الظهور الرسمي للقيادات منهم، فهم لا يتحسسون من التأزر بالجنبية، بل يعتبرونها تقليد يفتخرون به، فهي بالنسبة لهم ترمز إلى النضج و"الرجولة". نفس الشيء بالنسبة للتأزر بالبندقية أو الرشاش وحتى القنبلة أحيانا. وهذا يناقض تماما طبع الجنوبيين الذين يشمئزون من هذه العادة (عادة حمل السلاح الأبيض).

والمعروف أن الجنوبيين كانوا قد قضوا على هذه الظاهرة في وقت مبكر بعد تحرير السلطنات والمشيخات في 1967، حيث كانت موجودة في الارياف الجنوبية فقط وانتهت بعد الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني..

غير أن هذه الظاهرة غير الحضارية (بحسب الجنوبيين) رجعت بعد الوحدة، وإن كان رجوعها انحصر فقط على الأرياف والمناطق البعيدة عن المدن. ونجحت مدن الجنوب الكبرى في التصدي لها لحسن الحظ.

4- *الاختلاف الكبير بين النهجين للنظامين الذي كان قائما في الدولتين قبل الوحدة*. فكما هو معروف فقد كان اليمن الديمقراطي ينتهج  الإشتراكية العلمية، فيما كان النظام في الشمال ينتهج الرأسمالية ونظامه محافظ جدا. وكان صعبا ذوبان النهج الاشتراكي وغير المتعصب دينيا داخل النظام الرأسمالي والمحافظ دينيا.

5- *فقدان الجنوبيين لمعظم الحقوق والميزات التي كان يوفرها لهم النظام الإشتراكي في الحياة المعيشية وفي الحياة الخاصة*، من مثل: مجانية التطبيب ومجانية التعليم في كامل مراحله، ومجانية السكن، وسهولة الحصول على الوظيفة، والزواج بمهر ميسر بمتناول يد الشباب (مقونن بسقف لا يتجاوز مائة دينار جنوبي = ألفين شلن).

6- *الهجمة الدينية المتشددة العنيفة على الجنوبيين، والتي لم يكونوا يألفوها من قبل*، والتي استفحلت بعد حرب صيف 1994، حيث انتشر التضييق على المواطنين مع ظهور الفكر الوهابي الذي يكفر الجميع باستثناء معتنقيه، ويعتبر معظم ما كان اعتاد عليه الجنوبيون هو بدعة، فحرموا كل شيء تقريبا. وصاحب ذلك *ظهور الإرهاب الفكري والمادي لأول مرة في التاريخ المعروف للجنوب*.  

7- *التعصبات والترسبات القديمة الناجمة عن الإحتكاكات الحدودية والتباينات الأيديولوجية بين البلدين* قبل الوحدة، تُركت دون معالجة جادة، ففعلت فعلها في زيادة الإحتقان بين مواطني الجنوب ومواطني الشمال. واستغلها بعض المتنفذين وقودا لتصفية الحسابات القديمة.

8- *التعصبات والترسبات السابقة تضاعفت وزاد فوقها أيضا: *ضغائن متبادلة، وجراحات وتنافر* بسبب حرب صيف 1994 الحمقاء.. وزاد "الطين بلة" غزو الحوثيون وقوات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح لعدن نهاية مارس إلى منتصف يوليو 2015.. 

وتفاقم أكثر بسبب مشاركة شباب من الجنوب مع "التحالف الأجنبي" في الحرب على المناطق الشمالية. وبالمقابل محاولات القوات الشمالية الإنتقام من الجنوب كما حدث منذ أبريل 2019 بغزو الضالع من جديد.

9- *نتائج حرب صيف 1994 نجم عنها تصرفات هوجاء للجانب المنتصر* (جانب الرئيس علي عبد الله صالح، تؤازرة مجاميع «الزمرة» الجنوبيون بقيادة وزير دفاعه عبد ربه منصور هادي) معتقدا أن ذلك النصر هو بمثابة صك يجيز له التصرف بحقوق الطرف المهزوم حد الاستيلاء على ممتلكاته، والتنكيل بكوادره كإجراء - ربما ظن المنتصر - أنه احترازيا يحمي جانبه من انتقام المهزوم في أي وقت لاحقا.. ورغم إدانتي لهكذا سلوك، إلا أنني أعتبره - بعقل بارد - سلوك بشري غريزي لا إرادي طبيعي. وبالمقابل، بنفس كيفية الحكم هذه، أقيِّم - أيضا - سلوك بعض الجنوبيين في مواصلة الحرب مع التحالف ضد إخوانهم في المناطق الشمالية، واعتباره سلوكا بشريا غريزيا دافعه رد اللطمة بلطمة.

10- كان الإتفاق قبيل التوقيع على الوحدة، *"أن يتم تطبيق في دولة الوحدة أفضل ما كان قائما في الشطرين قبل الوحدة"*. لكن؛ لم يتم الالتزام بشيء من هذا الشرط/ المبدأ. 

فمثلا؛ تم تعميم النظام البيروقراطي (التركي/ المصري) للوظائف العامة الذي كان معمولا به في الشمال قبل الوحدة. وتسبب أثناء التسويات للدرجات الوظفية للكوادر الجنوبية في ظلم هذه الكوادر وفي التخلي عن بعض التخصصات بعذر ان ليس هناك مسمى وظيفي أو درجة وظيفية لها في النظام الإداري البيروقراطي الجديد. وتمت التسويات بعشوائية وبمزاجية وبحسب قوة الوساطة.. وزادت نتائج حرب صيف 1994 الطين بلة، حيث تم تجميد والإستغناء عن آلاف الكوادر الجنوبية البارزة. وحينها شاع «خليك بالبيت»، كتعبير ساخر على تلك التوقيفات التي طالت لكوادر المدنية والعسكرية على حد سواء، وهي الكوادر التي تشكل منها *الحراك السلمي للجنوب في 7-7-2007 المطالب باستعادة الدولة الجنوبية لاستعادة حقوق مواطنيها المسلوبة.

كذلك غزا النظام البيروقراطي العسكري الذي كان سائدا في الشمال جميع مؤسسات وأسلحة الجيش والأمن.. حتى أنهم أبقوا على لفظ *"أفندم"* التركية، وألغوا تعبير *"اخي"* الذي كان معمولا به في الجنوب لمناداة القيادات الأعلى. 

حتى لوجو *النسر الجمهوري* اعتمدوا النسر الفاتح جناحيى بالعلم المزدوج الذي معمولا به في الجمهورية العربية اليمنية. وتخلوا عن لوجو النسر الجمهوري الذي كان معتمدا في الجنوب، وهو معتمد في جميع الجمهوريات الثورية العربية (علما أن النسر الجمهوري كان معمولا به بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 لعدة سنوات قبل تغييره إلى النسر الفاتح جناحيه مزدوج العلمين).

11- *اختيار العاصمة لم يكن موفقا*، فبرغم جمال صنعاء ورمزيتها، إلاّ أنها لم تكن تتوفر فيها الخواص والمميزات المطلوبة كعاصمة ناجحة. فليس في صنعاء - مثلا - ميناء بحري. وأقرب ميناء إليها يبعد عنها بنحو 226 كيلومترا عبر طريق جبلية شاقة وخطرة. كذلك مباني الوزارات الحكومية كلها تقريبا ليست مملوكة للدولة وهي مستأجرة فقط، عكس عدن التي تتوافر لديها مباني مملوكة للدولة، وميناء بحري دولي وآخر جوي.. باختصار، عدن، كانت تتمتع بكل المواصفات اللازمة لأي عاصمة ناجحة، وتم تجاهلها بقوة الغلبة العددية. وكان يمكن أختيار مدينة شمالية أخرى، كمدينة تعز التي تتحلى بخواص أفضل من صنعاء، فهي تتوسط البلاد، ويربطها بالموانئ البحرية في عدن والحديدة وبير علي خطوط مواصلات أقصر كثيرا وأقل صعوبة. 

12- أخيرا، *الأمن والأمان ونظافة يد الموظف والمسئول (الفساد)*، حيث لحظ الجنوبيون انعدام الامن والأمان الذي الفوه في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.وزحف إليهم عدم الأمان والفساد. 

ولم يكن الفساد (سرقة المال العام) مألوفا للجنوبيين من قبل، حيث كانت هناك قوانين وإجراءات تحارب ذلك منذ عهد الإستعمار البريطاني، حيث كان الموظف المختلس لمبلغ 50 شلن فقط يُعاقب بالطرد من الوظيفة، وقد لا يُقبل نهائيا في أي وظيفة حكومية اخرى بعد ذلك. وفي عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، واصل النظام هذا القانون على الموظفين وعلى كبار مسئولي الدولة، حيث كانت القوانين تردع الموظف أو المسئول من ان يختلس ولو مبلغا بسيطا. واتذكر هنا موظفا قياديا سجن لأنه اختلس 500 شلن.

كان الفساد وسرقة المال العام عملا شائنا فجاءهم مفهوم جديد للفساد وسرقة المال العام، حيث صارت سرقة المال العام وحتى سرقة الناس في العهد الجديد يعتبر شطارة.


◼◼ *وهكذا، للأسباب المادية أعلاه، أرى أن تجربة الوحدة الإندماجية اليمنية قد فشلت*.. ولذلك؛ أؤيد استعادة دولتي اليمن قبل مايو 1990م: 

*جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية* و *الجمهورية العربية اليمنة* لمصلحة المواطنين في الشمال وفي الحنوب.

ولكن، ربما تظل خيارات الاتحاد الفيدرالي بأقاليم ستة علاجا محتملا لا بأس به لإعادة ترميمها.. كذلك أرى أن مشروع الأقاليم الثلاثة (إقليم جنوبي وإقليم في الوسط وثالث في الشمال) مناسبا أكثر لأنه يراعي خاصية كل منطقة ويجمع كل منطقة بحسب تقارب أهلها المجتمعي، ويلبي الحد المعقول مما يطلبه أهل الجنوب والوسط والشمال.. لكنني أعتقد أن النظام الكونفدرالي بإقليمين اثنين وفق حدود ما قبل 22 مايو 1990 هو الأكثر ملاءمة..

وإلاّ، فالحل لمداواة الأزمة اليمنية المستفحلة، يكون بالعودة إلى نظام الدولتين على ما كان عليه الحال قبل الوحدة الإندماجية في 22 مايو 1990، مع إضافة صيغة تكاملية تراعي خاصية اليمنين تحافظ على استمرار الروابط الأخوية بينهما، وتؤمن التكامل الإقتصادي والتعاون في المجالات الثقافية بين الدولتين، وللتنسيق بينهما في المواقف السياسية الخارجية.  


*نصر صالح*

22 مايو 2019

ليست هناك تعليقات