بن فريد : اي تسوية سياسية في اليمن تتجاهل الجنوب وقضيته (مرفوضة)
بن فريد : اي تسوية سياسية في اليمن تتجاهل الجنوب وقضيته (مرفوضة)
الخميس 22 سبتمبر 2016 07:43 مساءً
حاوره : نبيل سعيد
لا يرى القيادي في الحراك الجنوبي، أحمد عمر بن فريد، حتّى الآن، أيّ إرادة إقليمية أو دولية لإشراك الجنوبيّين، في مفاوضات يُنتظر منها أن ترسم مستقبل اليمن. واقع يرتّب عليه الرجل موقفاً استباقيّاً، مفاده الرفض المطلق لأي تسوية لا يكون الطرف الجنوبي شريكاً فيها، والتلويح بـ"فكّ الإرتباط" مع حلفاء مرحليّين، قد تكون غايتهم العبور إلى مصالحهم ليس إلّا.
لكن إيمان بن فريد بأن "أّيّاً من العرب لا يريد لنا أن نتّحد كجنوبيّين" لا يدفعه إلى تبرئة الساحة الجنوبية من الترهّل والسذاجة والبحث عن مناصب. "آفات" يدعو القيادي الجنوبي، في حوار مع "العربي"، إلى ضرورة التخلّص منها، والإسراع في تشكيل حامل موحّد يمكنه التعبير عن "إرادة شعب الجنوب.
كيف تنظرون إلى قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي الأخير، والذي قضى بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، من الناحيتين السياسية والإقتصادية؟ وهل ترون لذلك تأثيرات على مسار قضية الجنوب؟
في تقديري الشخصي، كما هو أيضاً - وبحسب ما تابعت – في نظر الكثيرين، يُعتبر هذا القرار واحداً من أهمّ القرارات التي اتّخذها الرئيس هادي منذ بداية عاصفة الحزم حتّى الآن، وربّما أنّه القرار الأهمّ على الإطلاق، بالنظر إلى ما يعنيه هذا، وما يمكن أن يتمخّض عنه من تبعات مؤثّرة على المسارَين السياسي والإقتصادي معاً، وحتّى على مستوى أيّ مفاوضات قادمة.
ففي حقيقة الأمر، أن الحالة مع الرئيس هادي كانت معكوسة عطفاً على معطيات الإنقلابات والجماعة المتمرّدة في شكلها النمطي، حيث أن الوضع الطبيعي أن يكون المتمرّد مجرّداً من أهمّ مؤسّسات وأدوات الدولة، وعلى رأسها التحكّم بالمال وإدارته وتحصيل الموارد المالية الوطنية للدولة، لكن في حالة الرئيس هادي أو الشرعية إن شئت مع الحوثيّين وقوّات صالح، كان العكس هو الصحيح، وكان ذلك الوضع يشكّل حالة شاذّة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فكيف يمكن لمتمرّد أن يتحكّم في تسيير شؤونك المالية، ثم تدّعي أنّك الأقوى وأنّك الشرعية؟!
هكذا كان الحال بحكم سيطرة الحوثي – صالح على البنك المركزي في صنعاء، وكانت فكرة نقل البنك المركزي، بحسب علمي، حاضرة منذ البدء، لكن قوى دولية رفضت تنفيذ هذا الإجراء، وراهنت على إمكانية ما يسمّى لديهم بـ"الحلّ السياسي" أو "التسوية السياسية". وبعد أن ذهب الحوثي وصالح إلى أقصى درجات الغلوّ في التحدّي بتشكيل المجلس السياسي، ومن ثمّ الحكومة، كان لا بدّ من تنفيذ قرار نقل البنك المركزي إلى عدن ليحرم تماماً الحوثي وصالح من أهمّ أدوات إدارة الدولة، وليضعهم في مأزق حقيقي، على اعتبار أنّهم من الآن وصاعداً لن يكون في مقدورهم طباعة عملات مالية أو حتى تبادل العملة الصعبة أو الحصول عليها. وهنا، سيجدون أنفسهم أمام خيارين: إمّا الإنفراد من قبلهم ببناء دولة مستقلّة ستبحث لها لاحقاً عن اعتراف، وإمّا الخضوع لتعليمات وتوجيهات هادي، وكلا الخيارين غاية في الصعوبة والمرارة.
وفي ما يخصّ الجنوب، وعلى الرغم من أن هذا القرار في شكله يدعم وجود مؤسّسات الدولة اليمنية في عاصمتنا التاريخية عدن، إلّا أنّه في مضمونه سيعني الإعتماد الذاتي في بناء مؤسّسات الدولة ورجالها من جديد. وتبقى مسألة التواجد الفعلي لنا في قلب هذ المؤسسّات مسألة مطلوبة، شريطة أن تكون محكومة برؤية موحّدة نسير عليها جميعاً، تنتهي بنا إلى فرض واقع الجنوب على أرضه، ومن ثمّ فرض الإستقلال كنتيجة لتلك السيطرة الفعلية.
كيف استقبلت، كقيادي في الحراك الجنوبي، الدعوة التي أطلقها محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، إلى تشكيل "كيان سياسي جنوبي"؟
لقد كنت من أوائل الذين رحّبوا بهذه الدعوة وأعلنوا عن ذلك الترحيب بشكل رسمي بعد ساعات من إطلاقها، نظراً لما تمثّله من ضرورة ملحّة كان يُفترض أن تكون قد أُنجزت قبل سنوات من الآن.
طيّب، ما دلالات هذه الدعوة وخلفيّاتها؟ ولماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات؟ لا شكّ أن الفكرة تمثّل حاجة وطنية ملحّة كما أسلفت، ولا شكّ أيضاً أنّها سبق وأن طُرحت من قبل عبر شخصيّات كبيرة، وحتّى من خلال مكوّنات سياسية، والأكيد أن أشواطاً طويلة قد قطعت في هذا السبيل دون أن تحقّق النهاية المرجوّة، بسبب عدّة عوامل داخلية وخارجية ساهمت في إفشالها.
ويمكنني أن أقول إن هذا الإستحقاق الوطني قد حورب بشتّى الوسائل والطرق، وضُخّت في سبيل إفشاله أموال طائلة، وجرت عليه مؤامرات كبيرة من قبل من لا يريد للجنوب وقضيّته أن تبرز، ومن لا يريد لقياداته أن تتّحد. ولقد استخدمت تلك القوى عوامل ضعفنا وتناقضاتنا البسيطة، فعملت على تضخيمها وتهويلها وزرعت الشكوك فيما بيننا، وللأسف الشديد، نجحت في ذلك في آخر المطاف، وتجربة المؤتمر الجامع خير مثال ودليل. والآن، ها هي فرصة أخرى متاحة تطرح من قبل سيادة المحافظ، اللواء عيدروس الزبيدي، إبن الحراك الجنوبي، وأحد أبرز المناضلين الحقيقيّين، بحثاً عن الحقّ الجنوبي، وهي دعوة لا يمكن أن تنجح إلّا إذا تعلّمنا من أسباب فشلنا السابقة، والتي أغلبها داخلية ذاتية، وحصنّا أنفسنا من الإختراقات التي يمكن أن تعمل مجدّداً لإفشال هذا التوجّه كما حصل من قبل.
وأتمنّى من كلّ قلبي أن يتحمّل سيادة المحافظ المسؤولية التاريخية في إنجاز هذه الدعوة والإشراف عليها، لأن الإكتفاء فقط بالدعوة لها لن يتجاوز حدود النيّات الصادقة والأماني الخيّرة، ونحن نريد منه ما هو أكبر من ذلك، وعليه أن يعلم أنّه إن مارس ذلك وقام فعلاً بالعمل عليه، فإن هذا شرف كبير له، كما أنّه لا يمارس إلّا حقّه المشروع الذي لا يخالفه عليه أحد.
كما أتمنّى من مختلف القوى السياسية الجنوبية أن تلين في هذا المسار وتتجاوب مع دعوة المحافظ، واللين هنا لا يعني التنازل عن ثوابتنا، ولكن المقصود اللين في تضخيم الذات وإنكارها.
رأى البعض في الدعوة انقلاباً على القيادات الجنوبية التاريخية، هل توافقون على ذلك؟
بحسب علمي ومتابعتي للدعوة الكريمة، لم أر فيها أي شيء من هذا القبيل، في ما يخص وضع القيادات التاريخية أو حتّى التلميح إلى إبعادها أو الإنقلاب عليها، كما جاء في السؤال. هي دعوة عامّة، واضحة، نعلم تماماً جميعاً ما هو المقصود منها، بدليل أن جميع من نسمّيهم بالقيادات التاريخية باركت هذه الدعوة ببيانات رسمية، صدرت عن الرئيس علي سالم البيض والأستاذ عبدالرحمن الجفري وغيرهما. وهنا، علينا أن نكون واقعيّين، وألّا نحمل عجزنا على أخطاء أو ممارسات هذه القيادات التي ربّما تكون بشكل أو بآخر قد ساهمت في عدم توصّلنا إلى وحدة القيادات نتيجة التباينات التي فيما بينها، ولكن هذا لا يعني أن نبقى عاجزين ومرهونين بهم، فهم لم يمنعوا أحداً من العمل في الداخل، ولم يقيّدوا أحداً، أو حتّى لا يملكون وسائل تجعلهم إلى هذا الحدّ قادرين على إيقاف أيّ توجّه حقيقي صادر من الداخل. ومن جهة أخرى، أنا شخصيّاً ضدّ فكرة إقصاء أيّ طرف جنوبي بقرار، لأن ذلك يؤسّس لترسيخ نهج أحادي ديكتاتوري طالما عانى منه الجنوب. دعونا نبتعد عن التقييمات التي تتبعها قرارات، من حقّي أن أقيّم هذا الطرف أو ذاك، ولكن ليس من حقّي أن أتّخذ قراراً بإبعاده عن المشهد. قرار الإبعاد من المشهد تملكه الجماهير وحدها، فهي التي تملك شرعية الإقصاء أو الإبقاء من خلال الأسلوب الديمقراطي.
صحيح أنّه لا توجد لدينا انتخابات يمكن أن تنتج مثل هذا، ولكن الجماهير لديها وسائلها أيضاً لإبلاغ رسائلها إلى كلّ طرف، تعبيراً عن سخطها أو رضاها عليه.
لماذا أنتم عاجزون عن توحيد رؤيتكم السياسية، وعن إيجاد حامل يمكنه تمثيلكم في المحافل الإقليمية والدولية؟
كما ذكرت سابقاً، هناك أسباب داخلية تعود إلى القيادات الجنوبية نفسها، وتقع مسؤولية العجز والفشل عليها هي، وهنالك أسباب وعوامل خارجية عملت على إفشال جميع الجهود السابقة التي كانت قد برزت من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني.
لكن دعني في هذا السياق أقول ما يلي: أوّلاً: لا يمكن القول إن هناك تبايناً في الرؤية السياسية لدى الجنوبيّين في ما يخصّ شكل الدولة، التي هنالك إجماع تامّ على أنّها دولة جنوبية ذات نظام فيدرالي، تتمتّع فيه المحافظات بصلاحيّات تامّة في إداراة شؤونها الداخلية، لكي تقطع الطريق على عوامل النزعات المناطقية، وما يمكن أن يغذّيها، كما ستقطع الطريق على المشكّكين في قولهم بأن هنالك هيمنة مناطقية ستكون من مناطق على أخرى.
ثانياً: هنالك اتّفاق أو إجماع على اعتماد النهج الديمقراطي التعدّدي، الذي يحترم الحرّيّات والعهود الدولية وحقوق الإنسان وحرّية التعبير.
ثالثاً: هنالك إجماع أيضاً على أن يكون الجنوب كدولة ضمن المنظومة العربية للخليج وبقية العالم العربي، مستفيدين من تجاربنا الماضية التي أبعدتنا عن محيطنا العربي. إذاً، الرؤية السياسية موجودة ولا خلاف عليها أبداً، وهذه ميزة كبيرة تُحسب لنا كجنوبيّين، المشكلة تكمن في عدم قدرتنا حتّى الآن على خلق أداة سياسية تستطيع أن تعبّر عن هذه الإرادة وتدافع عنها. ولكن يمكن القول بكلّ صراحة إنّه حتّى الآن لا يبدو أن هنالك من العرب من يريد لنا أن نتّحد كجنوبيّين، وإلّا لكان حثّنا على الأقلّ على ذلك ناهيك عن المساعدة، وفي جميع الأحوال هي مشكلتنا نحن وليست مشكلة الآخرين وعلينا حلّها. وشخصيّاً، قلتها أكثر من مرّة إنّني أقبل ألّا أكون في أيّ إطار قيادي، ومتنازل عن ذلك تماماً، ولن أكون عائقاً أو مانعاً لهذا، وسوف أكون سعيداً إن تحقّق، وحتّى على أن أكون حارساً على أبواب قاعة يمكن أن تنتج هذا الإستحقاق الوطني الذي عزّ علينا جميعاً، علينا أن نتذكّر أيّها السادة أنّنا نبحث عن وطن وليس عن مناصب.
كيف تنظرون في الحراك الجنوبي إلى المشهد السياسي في اليمن، بعد فشل مفاوضات الكويت، وتلاشي فرص الحلّ، ووصول الأطراف إلى طريق مسدود؟ هذا السؤال سيفرض عليّ طرحه بشكل معكوس، وهو ماذا لو نجحت المفاوضات؟ ما الذي سيترتّب عليها في ما يخصّ قضية الجنوب؟
في الحقيقة، وأثناء ما كانت الحوارات الماراثونية تجري في الكويت، كنت أتساءل عن الحكمة في أن ترعى 18 دولة حواراً من هذا النوع، كان يمكن أن يتمخّض عنه تسوية سياسية دون أن يكون للجنوب وقضيّته تمثيل فيها.
كنّا نعتقد أن المفاوضات كانت معنية فقط بالجانب العسكري والأمني والإنساني، من خلال التوصّل إلى حزمة تفاهمات بين تلك الأطراف، باعتبارها هي المشتبكة في المناطق الشمالية عسكريّاً، على أن تجري بعد ذلك حوارات سياسية يتمثّل فيها الجنوب بطرف سياسي، ولكن حتّى الآن لا تبدو أي مؤشّرات إلى ذلك، وإلّا لكانت الأمم المتّحدة معنية بتحضير وتهيئة الظروف لقيادة جنوبية من خلال مؤتمر جنوبي، أو حتّى تشكيل قيادة بهذه الكيفية أو تلك، لكنّنا جميعاً لم نشاهد شيئاً من هذا القبيل، ولم نسمع حتّى أيّ تصريح رسمي لأيّ مسؤول إقليمي أو دولي أو أممي يحثّ الجنوبيّين على تشكيل قيادة لهم لكي تمثّلهم في قادم المشاروات.
دعني أقول إن هناك أموراً كثيرة تحدث لا يمكن فهمها، ودعني أدقّ ناقوس الخطر أمام جميع القيادات الجنوبية، خاصّة في الداخل، تجاه أن عليها أن تعتمد على نفسها وتبلور ذاتها وترسّخ وجودها على الأرض، وإلّا فإن التاريخ لن يرحم ولا يرحمنا أحد مهما كانت قضيتنا عادلة. السذاجة وحسن النية أحياناً تكون مهلكة.
في أيّ سياق تضعون خطّة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لإنهاء الحرب في اليمن؟ وما هي قراءتكم لتلك الخطّة؟
أثناء متابعتي لوقائع المؤتمر الصحافي للوزير كيري بعد اجتماع الرباعية في جدّة، أصبت بالدهشة والصدمة من مضامين حديثه، وبعض الأفكار التي تحدّث عنها، وحتّى بعض اللوم والعتب الذي ألقاه بشكل مباشر وغير مباشر على عاصفة الحزم، وخاصّة في ما يتعلّق بالجانب الإنساني، وعلّقت، حينها، في حسابي على "تويتر"، بالقول يبدو أن كيري قد تقمّص دور المتحدّث الرسمي للحوثيّين في هذا المؤتمر. ولكن مع مرور الأيّام، اتّضح لنا أن الوزير أتى لكي يطرح أفكاراً لم ترق إلى مستوى الخطّة الملزمة، والأهمّ، وهذا ما يجب علينا أن نتعلّمه، أن الدبلوماسية أحياناً حينما تقول شيئاً قد لا تعنيه بالضبط، بل ربّما تعني عكسه تماماً، وأحياناً تتطلّب الدبلوماسية أن يكون هنالك اتّفاق على أن يتحدّث الوزير الفلاني بحضور نظيره على أمور تبدو مزعجة، ولكنّها متّفق عليها قولاً ومتّفق على عكسها فعلاً! وقد أخبرني أحد الأصدقاء بعد المؤتمر الصحافي حينما شاهد قلقي بأن كلّ ما قاله كيري هو مجرّد كلام، لا أقلّ ولا أكثر، وهو لديهم يأتي ضمن مصطلح "lip service"، وهذا ما حدث.
بالأمس، كنت أستمع إلى محمّد عبد السلام وهو عالق في سلطنة عمان، وهو وجميع أفراد الوفد الذي كان في الكويت حتّى الآن قضوا 40 يوماً غير قادرين على العودة إلى صنعاء، فماذا يعني هذا؟ هذا يعكس حالهم البائس وما يمكن أن يقودهم الغرور والغطرسة إليه. طيّب، في حال التوصّل إلى تسوية سياسية بمعزل عنكم، كيف سيكون موقفكم أنتم كحراك جنوبي؟ لو فرضنا وحدثت تسوية سياسية متكاملة دون إشراك أيّ طرف جنوبي فيها، فحتماً سيكون موقفنا جميعاً هو الرفض المطلق لها جملة وتفصيلاً، ولا يمكن أن نقبل أن يكون الجنوب بمثابة الحائط القصير الذي يعتقد أيّ طرف أنّه قادر على عبوره بسهولة، إلى حيث تريد مصالحه وعلى حساب مصالحنا وعلى أرضنا. نحن شعب عربي أصيل دافع عن حقّه بكلّ السبل، وسوف يفعل ذلك أيضاً في المستقبل، سنحترم من يحترمنا ويحترم حقّنا...
التعليقات على الموضوع