شبكه صوت الجنوب

ads header

27/ رمضان .. تفاصيل الفرح

27/ رمضان .. تفاصيل الفرح

مريم محمد

 
الساعة كانت حينها مابين العاشرة إلى الحادية عشر مساءًا من يوم الإثنين 13/7/2015 عندما عاد أخي الصغير الذي يبلغ من العمر العشرين ربيعاً من جبهة القتال "الصولبان" ، ولكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها بطريقة قدومه للمنزل الذي كنا قد نزحنا إليه في منطقة الممدارة الجديدة، كان أخي الصغير والمناضل الكبير قد جاء إلينا حاملاً معه أخبار السعد، جاء كما لم يأتي من قبل فقد كان يتقفز ويطير من الفرحة وهو يتجول في أرجاء البيت، كنا نحن وأمي في حالة ذهول مما أصابه كان يقول لنا " خلااااص يا أماااه نحن بنحرر عدن، #عدن بتتحرر خلااااص إن شاء الله، الإمارات دعمتنا وخلاااص #الحسم جاااي إن شاء الله" كانت كلماته محشية بقدر كبير من السعادة التي لم يعرفها منذُ فترة طويلة! غلب أمي شعور بالفرح ممزوج بكمية كبيرة من الحزن والخوف من القادم، كانت تقول " ربما تكون هذه آخر فرحة له، وكأنه يودعني!!"..

ذهب أخي ليغتسل ويتجهز بالزي العسكري الجديد والسلاح الجديد الذي دعمتهم به #الإمارات ذاك المساء ، كنا في حالة ترقب مصحوب بخوف كبير لما ستولي إليه الأمور .. تجهز أخي الصغير وفي عينيه بريق يلمع يجلب التفاؤل ويوحي بفرح عظيم، ثم ودعنا وذهب للمركز الذي يجتمعون به ويخططون لمعاركهم بالرغم أنه كان يفترض أن يرتاح في ذلك التوقيت بعد يومٍ شاق في الجبهة..

الساعة الثالثة فجراً وفي سحور اليوم السابع والعشرين من رمضان ، يرن جوالي وكان المتصل هو ذاته أخي الصغير ، وكعادتي أسارع في الرد عليه لأنه لايتصل إلا لشيئ مهم، "نعم أخي حبيبي ما الجديد؟" قال: "نحن سنقوم بهجمة على الحوثيين وإن شاء الله سنقطع خط الإمداد في العريش ونحرر خور مكسر ، أدعي لي يا أختي" ، انكمش قلبي وأحسست بخوف كبير عليه فقد شعرت أن بداية النهاية قد بدأت لكني لم أدرِ أيُ نهايةٍ ستكون، أنهايته هو أم نهاية الإحتلال! ، واصل كلامه "قولي لأمي وأبي يدعوا لي ، ولاتقلقوا عليّ أنا بغلق جوالي وإن شاء الله ننتصر ونحرر عدن" ، كنت أدعي له والخوف يتملكني، بدا لي أنها وصيته الأخيرة!! ودعته وفي القلب شعورٌ لايُقال!

أخبرت أمي وأخوتي بحصيلة هذه المكالمة ، لكننا لم نخبر أبي بذلك مطلقاً بعد أن أصيب بجلطة خفيفة جراء خوفه الكبير والأحداث والمواقف التي نجا منها أخي هذا وهو يقاتل ويتنقل بين الجبهات!!

انتابني خوفٌ كبير، كنت أشعر بالفقد له، بكيت وبكيت كثيراً على حالنا ، كنت ادعي أن يحفظه الله ورفاقه وينصرهم ولكني كنت ضعيفة جداً ، منهارة للغاية، ابكي من خوف، من خذلان وقعنا به، من مؤامرات يتعرض لها شبابنا المقاومون في الجبهات، من حالة نزوح وتشرد وانقسام كنا نعيشها في أسرتنا ، من وضع مأساوي وقصف يومي على منازلنا التي نزحنا إليها ، من يأس تملكنا وإحباط قد سيطر علينا وكثيرٌ كثيرٌ من الأشياء المؤلمة... حتى أنهكتُ ونمتُ من التعب والبكاء! أظن ذلك كان في الساعة السادسة صباحاً!
ً
الساعة التاسعة صباحاً من يوم السابع والعشرين من رمضان 14/7/2015 صوت ازيز الرصاص من كل مكان، وأصوت ضخمة لم نعتد سماعها من قبل، يرافقها أصوات التكبيرات.. صحوت على هذه الأصوات ، كلنا اتجهنا إلى النوافذ لنستكشف ما الذي يحدث في المنطقة ، كان الرجال يطلقون الرصاص احتفالاً وهم يكبرون ، هناك رجل يصيح "عدن تحررررت.. الله اكبر.. عدن انتصرت" ، كانت مدرعات الإمارات التي نراها لأول مرة تجوب المنطقة وتزحف لتعزيز الجبهات التي تحررت كان الوضع أشبه بالحلم!! 

كان الفرح عظيمٌ في منطقتنا ، حيث كانت أول منطقة تحتفل بالنصر، كدنا أن نطير من الفرحة، لحظات وتصدح مساجدنا بتكبيرات النصر " الله اكبر الله اكبر .. لا إله الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" لم نتدارك دموعنا بكينا يومها من الفرحة ، سجدنا لله كلنا أنا واخوتي ، كنا نصرخ من الفرحة التي لم تكن قد وصل خبرها لوسائل الإعلام ولا للمناطق الأخرى، كنت حينها أسجل مقاطع من تكبيرات مساجدنا المحتفلة بالنصر وأرسلها لصديقاتي في الواتساب ، كان الجميع لايصدق مايحدث ، أتذكر جيداً أن صديقاتي كنّ يسألنّ وبتعجب من المقاطع الصوتية التي أرسلها لهنّ " فيييين عايشة انتي!!!" وأجيبهن بحروف تملؤها السعادة والفخر ، أنا في أول منطقة تعلن النصر والتحرير في عدن!..

كانت مشاهد لاتُنسى أكتبها ولأول مرة، ولكن بتقصير كبير في نقلها ، فما حدث ذلك اليوم لايُقال ولا يُروى والفرح الذي عشناه يومها لايضاهيه فرح ، يكفي أن أتذكر ذلك الرجل الذي كان يصيح بأعلى صوته في ذلك الوقت من نهار رمضان وتحت شمس الصباح " عدن تحررت، عدن انتصرت" لأسمع بعدها صوت الزغاريد من كل العمارات المجاورة ، ويملأني ذلك سعادة وامتنان لله على هذا النصر العظيم الذي لم يتحقق لولا صمود وشموخ شبابنا الأبطال في جبهات القتال..

#ذاكرة_الحرب
#Meem_Memo. 
مريم محمد

   

ليست هناك تعليقات