روسيا والحرب في اليمن
روسيا والحرب في اليمن
ارتبط الروس بعلاقات صداقة قديمة مع اليمنيين منذ سلطة الأئمة ، وقد تعززت هذه العلاقات بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر وأتخدت طابعا استراتيجياً، وشملت محتلف الجوانب السياسية والعسكرية والإقتصادية ، وتأتي هذه العلاقات في إطار انفتاح السلطة السوفيتية على شعوب الشرق العربي والإسلامي ودعم نضالها ضد الإستعمار والصهيونية والإمبريالية ، كان ذلك في عهد الإتحاد السوفيتي والنظام الإشتراكي ، والصراع الذي كان قائما بينه وبين النظام الرأسمالي العالمي ، فيما يُعْرَفُ بالحرب الباردة ، وكانت للسوفيت مواقف إيجابية تجاه كثير من القضايا العربية في المحافل الأقليمية والدولية ، وتأتي في مقدمتها قضية فلسطين ، قضية العرب الأولى .
ولقد أدى تفكك الإتحاد السوفيتي في ديسمبر ١٩٩١م ، إلى تحولات عميقة في السياسة الخارجيةالروسية واختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة ، على الرغم من أن روسيا مثلت الوريث للدولة السوفيتية ، فكان من نصيبها معظم القدرات الإقتصادية والعسكرية والنووية السوفيتية ، والمقعد السوفيتي الدائم في مجلس الأمن ، إلا أنها ورثت أيضاً أزماته الإقتصادية والسياسية ، وتراجعت القضايا العربية والمنطقة بصفة عامة في أولويات السياسة الروسية تحت ضغط وإلحاح الأزمات الداخلية والإنهيار الإقتصادي الحاد، وعدم الاستقرار السياسي الذي كانت تموج به البلاد في تلك الفترة .
ومنذ وصول بوتين إلى السلطة في مطلع عام ٢٠٠٠ م ، استطاعت روسيا أن تحقق قفزات إقتصادية مكنتها من استعادة الاستقرار السياسي والإجتماعي ، واستعادة نفوذها الأقليمي والدولي ، وشهدت علاقات روسيا مع العالم العربي والإسلامي تفعيلا ملحوظاً، وقد استطاعت إعادة بناء علاقاتها مع حلفائها التقليديين من الدول العربية ، وفي مقدمتهم سوريا وليبيا والجزائر ، وشركائها الجدد ، مثل دول الخليج والأردن . وصارت للروس مصالح حقيقية تسعى للحفاظ عليها ، وتنميتها حتى في ظل التغييرات التي صاحبت الثورات العربية ، في بعض الدول العربية ، وقد ارتبطت هذه المصالح الروسية في ثلاث قطاعات رئيسية ، هي : الطاقة ( النفط والغاز ) والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية والتعاون العسكري .
وارتبطت روسيا بعلاقات طيبة مع النظام السابق ورئيسه في اليمن حتى بعد تنحيه عن الرئاسة ، بسبب ثورة ١١ فبراير ٢٠١١م ، وبعد استيلاء الإنقلابيين الحوثيين المتحالفين معه على السلطة في صنعاء وطرد السلطة الشرعية برئاسة عبد ربه ، ظلت روسيا على علاقة متميزة بالإنقلابيين ، واستمرت سفارتها تعمل ، وكانت من السفارات المتأخرة التي انسحبت من صنعاء ، لكن على الرغم من هذه العلاقات المتميزة التي ربطت الروس بالإنقلابيين ، لم يثبت عمليا أنَّ الروس قدموا أسلحة أو خبراء للإنقلابيين في حربهم هذه وإنقلابهم على شرعية هادي ، وظلت روسيا على حيادها فيما يتعلق بهذه الحرب ، بل في بعض الأوقات حاولت أن تلعب دور الوسيط للتوفيق بين طرفي الحرب ، الإنقلابيين والشرعية .
وفي الآونة الأخيرة ظهر تحول ملحوظ في الموقف الروسي ، مما يجعلها شريكة غير مباشر في الجرائم التي يرتكبها الإنقلابيون ، ولاسيما استخدامها حق النقض ، الفيتو ، في مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الموافق ٢٦ فبرابر ٢٠١٨ م ، لتعطيل قرار دولي لإدانة إيران وتدخلاتها في الحرب في اليمن ، بمدها الإنقلابيبن الحوثيين بالسلاح والخبراء والصواريخ البالستية التي يطلقونها على أرض المملكة السعودية قائدة قوات التحالف العربي لإعادة الشرعية ، هذه القرارات الدولية المبنية على تقارير خبراء الأسلحة الدوليين المرفوعة إلى مجلس الأمن ، وعلى أساس القرار الدولي ٢٢١٦ ، الذي أتهم إيران بالمسؤوليةالمباشرة عن تهريب السلاح وإيصاله إلى الإنقلابيين الحوثيين ، كما إنَّ إيران متهمة أيضا بأنها وراء عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، لإشعالها الفتن الطائفية من خلال أذرعها السياسية والعسكرية المنتشرة في المنطقة ، حزب الله في لبنان ، المليشيات الشيعية في سوريا والعراق ، والحوثيين في اليمن ، حتى تستفيذ من عدم الاستقرار ، لفرض نفوذها وهيمنتها على هذه المنطقة الحيوية من العالم ، لمواجهة ضغوطات الدول الكبرى الغربية بشأن برنامجها النووي .
لعلَّ هذا التحول الملحوظ في السياسة الروسية تجاه إيران على حساب مصالحها الكثيرة مع العرب ،لها مايفسرها ، فروسيا وإيران حليفتان للنظام السوري في الحرب الذي يخوضها ضد المعارضة السورية المسلحة المدعومة من أمريكا والغرب ، كما إنَّ السياسة الخارجية الروسية بعد تفكك الإتحاد السوفيتي ، أصبحت الإعتبارات والمصالح الإقتصادية ، هي الحاكمة لها ، فإيران تعتبر سوقاً رئيسياً للسلاح الروسي ، وقد بدأ التعاون العسكري بين البلدين منذ عام ١٩٨٩ م، عندما تم توقيع عقد توريد بعض الأسلحة السوفيتية إلي
إيران . وفي عام ١٩٩١ م وقعت موسكو وطهران مجموعة من العقود بلغت قيمتها ٩'٧ مليار دولار . وخلال الفترة من ١٩٩١- ١٩٩٤ م ، قامت روسيا بتصدير ماقيمته ٤ مليارات دولار من الإسلحة لإيران ، وتضمن ذلك مقاتلات ميج - ٢٩ ، وقادفات سوخوي - ٢٤ ، وثلاث غواصات ، وكتائب صاروخية، كما تم بناء معامل لصناعة الدبابات والمدرعات والصواريخ المضادة للدبابات .
وفي عام ١٩٩٢ م وقَّع البلدان اتفاقيتين : الأولى للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية ، ويتضمن ذلك إجراء البحوث والدراسات وتدريب الخبراء ، والثانية تتعلق ببناء محطة نووية في إيران لإنتاج الطاقة الكهربائية ، محطة بو شهر ، بطاقة تبلغ ١٠٠٠ ميجاوات .
لابد للدول العربية والإسلامية أن تسعى لخلق شراكة حقيقية مع روسيا ، فهناك آفاق واسعة للتعاون معها ، ولاسيما في مجالات الطاقة النووية وتكنولجيا الفضاء ، وتطوير البنية الصناعية للبلدان العربية والإسلامية ، كما إنَّ دولنا العربية والإسلامية في حاجة للدعم السياسي الروسي ، فيما يتعلق بقضايا المنطقة ، داخل الأمم المتحدة وخارجها ، لإعتدال المواقف الروسية وتوازنها وتأييدها للحقوق العربية ، ولاسيما القضية الفلسطينية ، فروسيا شريك واعد للدول العربية والاسلامية ، ومن الضروري جدا ان تتخذ الدول العربية والإسلامية خطوات جادة لتفعيل هذا التعاون معها .
سيون / حضرموت
الإستاذ / فرج عوض طاحس .
التعليقات على الموضوع