حين بكى المعلم... ماتت كرامة وطن
حين بكى المعلم... ماتت كرامة وطن
كتب / م عميد معبد
بينما كنت أمشي في سوق م/ حبيل جبر، توقفت فجأة عند صوت بكاء مكتوم قادم من خلف أحد المحلات التجارية. دفعني الفضول والقلق للاقتراب، وهناك وجدته: زميلي المعلم، جالسًا على الأرض، يجهش بالبكاء بحرقة لم أستطع تفسيرها.
اقتربت منه بهدوء، وقلت له بصوت يملؤه الحذر: "عظم الله أجرك، صديقي... هل فقدت أحدًا من أهلك؟" رفعت كلماتي رأسه ليواجهني بعينين غارقتين في الدموع، لكنه لم يرد سوى بنظرة أدمت قلبي.
بعد لحظات من الصمت الثقيل، تنهد بعمق وكأنه يحاول تجميع نفسه، ثم قال بصوت مخنوق: "لا، لم أفقد أحدًا... لكني فقدت كرامتي."
صُدمت من جوابه، فسألته: "ماذا حدث؟" ليبدأ في سرد قصته التي مزقت قلبي ألمًا.
"ذهبت إلى صاحب المحل أطلب منه كيس دقيق وعلبة زيت بالدين. قلت له سأدفع قريبًا، فأطفالي في البيت ينتظرون طعامًا يسد جوعهم. لكنه رفض وقال لي: لم أعد أستطيع إعطاء أحد بالدين." توقف للحظة، وكأن الكلام يخنقه، ثم تابع: "تصور يا صديقي... راتبي 48 ألف ريال فقط. لا يكفي حتى لشراء هذه الأشياء البسيطة. أنا معلم، أربي الأجيال وأعلمهم، لكنني اليوم أعجز عن توفير لقمة عيش لأطفالي."
جلست بجانبه، محاولًا أن أواسيه، لكنني شعرت بالعجز نفسه. كيف يمكن للكلمات أن تعيد كرامة تهشمت، أو أن تشبع أطفالًا جياعًا؟
غادرت المكان وأنا أجر خلفي مشاعر مختلطة من الغضب والحزن. ليس على زميلي فقط، بل على وطنٍ ترك معلميه - صانعي المستقبل - يذرفون الدموع في زوايا المحلات التجارية، بينما المسؤولون الذين صنعهم هؤلاء المعلمون يعيشون برفاهية لا يعلمون عنها شيئًا. يتقاضون رواتبهم بالدولار، يقيمون في قصورهم، وينظرون إلينا كأننا أرقام بلا قيمة.
حين بكى المعلم، بكت معه كرامة وطن بأسره. تبًا لكل من أغلق عينيه عن رؤية هذا الظلم، ولكل من اختار الصمت بينما تسحق الحاجة أحلام وكرامة أنبل الناس.
التعليقات على الموضوع